(السويداء)، امرأة ستينية تضغط على الزناد بثقة، بينما تقصّ قطعة بازلتٍ سوداء بخطوط دقيقة، وكأنّها ترسم على ورقة. ثم تنقر بإزميل جلخ كهربائيّ على بلاطة حجرية، تحفر عليها كلماتٍ بالخطّ العربي.
يحدث هذا تحت أشعة الشمس، وفي ورشتين بسيطتين لنحت البازلت في قرية دوما في الريف الشرقي لمحافظة السويداء، حيث تتحوّل شظايا البازلت الأسود إلى قطع فنية. الضوضاء تملأ الهواء، بينما صاروخ الجلخ يقطع الصمت، بين يديّ سيّدتين قرّرتا تحدّي الحجر.
"في اليوم الأوّل، ظننت أنّ صاروخ الجلخ سيقصم ظهري"، تقول سميرة الحسين أم علي (64 عاماً) بينما ترفع الكمامة الواقية من الغبار عن وجهها. "لكنّ الحجر علمني الصبر، علمني أنّ الأمومة لا تكتمل إلا عندما أكون إنسانةً حرّة أولاً".
أمّا عواطف حرب (أم أيهم) فتقول لـ "سوريا ما انحكت": "بدايةً لم تكن هذه المهنة خياراً بل كانت بقصد التكسّب المادي. أما اليوم، أصبح النحت جزءاً من حياتي، وللقصّة في ذاكرتي ما يجعلني متعلّقةً بهذه المهنة".
في هذا المجتمع الريفي المحافظ، حيث تُختزل أدوار النساء غالباً بين جدران المطبخ، تقف هاتان المرأتان أمام أقسى أنواع الحجر الذي يعجز عنه كثيرٌ من الرجال. البازلت أحد أقسى الأحجار في العالم، صلب، لا يرحم. يحتاج إلى بنيةٍ قوية، وأعصاب باردة، وأدواتٍ ثقيلة، صواريخ جلخ ومطارق وأزاميل، و(رُوترات) تذيب الحجر بالاحتكاك.
ديما موسى: بعد سقوط النظام... أريد أن أظلّ ناشطةً سياسية
06 حزيران 2025
بدأت سميرة كمساعدةٍ لولدها علي (إعلامي 34 عاماً، عازب). الذي امتهن النحت كي يعيل نفسه ووالدته. كانت محفّزاً له على الاستمرار، لتكتشف أنها بدأت تحبّ العمل. تؤكّد سميرة أنّها لم تمتهن النحت كي تحصل على المال بل كي تحفّز ولدها، بالإضافة إلى أنها أحبّت هذه الفكرة، "هذا ليس عملاً، هذه محادثةٌ بيني وبين الحجر".
كما أنّ الورشة التي تساعد عواطف فيها زوجها، يوسف حرب، النحات ذا الخبرة الطويلة، أصبحت فضاءً لتحطيم تابوهين؛ سنّ المرأة ومجال عملها.. ففي الريف، ولدى مجتمعٍ لا يزال ملوّثاً بعض الشيء بالنزعة الذكورية، يُعتبر العمل اليدوي الشاق حكراً تقليدياً على الرجال. لم تحترف المرأتان النحت عن دراسةٍ أو اتباع دورات كغيرهن من السيدات اللواتي يمتهنّ النحت، إنما نما شغفهما بالنحت بمجهودٍ ذاتي، بالسليقة والاجتهاد. لكنّ ما يميّز هاتين المرأتين هو سنّهما المتقّدمة وتحوّلهما إلى مصدر فخرٍ لأسرتيهما كونهما تساهمان في رفد الجهود المعيشية للأسرتين.
ولم يكن اختيار البازلت مصادفة. هذا الحجر البركانيّ الذي تشكّل منذ ملايين السنين في مناطق محافظة السويداء، هو بمثابة البصمة الجيولوجية للسويداء. يقول علي الحسين ابن سميرة، صحفيّ ونحات: "البازلت هنا ليس مجرّد حجر بناء، إنه سجلٌّ حضاري. الأنباط نحتوا به معابدهم، والرومان شيّدوا به طرقهم، واليوم تنحته أيادي نسائية لتكتب فصلاً جديداً من تاريخه".
في بدايات مشواره مُنِع علي من مزاولة مهنة الصحافة نتيجة مقالاتٍ نقدية ساخرة كان ينتقد بها عمل الوزارات عام 2009. ومع انطلاقة الثورة السورية كان من القلّة القلائل في قريته دوما الذين جاهروا بمعارضتهم للأسد وحزب البعث مما زاد في تعقيد وضعه. يقول علي لـ "سوريا ما انحكت"؛ إنه بعد توقفه عن الكتابة وتعذّر وجود إعلامٍ مستقل يلبي تطلّعاته، بدأ بالبحث عن عملٍ يقيه الحاجة. ويوضّح: "لم أفكر كثيراً عندما صرت بلا عمل. وبعد أن نفتني كلّ الصحف نتيجة موقفي، قرّرتُ حينها أن أستغل موهبتي الفنية بالرسم والخط العربيّ والنحت، التي وُلدتْ معي، في مشروعٍ يدرّ عليّ المال كي أعيش وأهلي، ووجدت في البازلت الخامة الأمثل والأحبّ إلى البيئة التي أعيش فيها. ومع تشجيع أمي وأبي وأصدقائي بدأت العمل في ورشةٍ لا أملك فيها إلا أداة نحتٍ طوّرتُها من ماكينة حلاقة. أرسم البورتريهات وأكتب أبياتاً من الشعر وآياتٍ من القرآن على البازلت، حتى استطعت الوصول إلى شريحةٍ واسعة من الزبائن بين أفراد ومعامل حجر في المحافظة وخارجها".
سكان الجنوب السوري.. بين البازلت والتاريخ
أثّر حجر البازلت الأسود في تكوين بنية وطباع سكان الجنوب السوري، منذ اختاروه مكاناً آمناً للعيش وحامياً من جحافل الغزاة، فأمدّهم بالصلابة والصبر وأمدّوه بالهيبة والوقار، حتى تمادوا في تطويعه وتسخيره لخدمة عيشهم واستقرارهم. كما منح البازلت أهالي المنطقة إرثاً فنياً مميّزاً. فبفضل جماليته، تحوّل إلى لوحاتٍ منحوتة تزيّن الساحات العامة والمنازل، وتعكس رموزاً تراثية وحكايات الأجداد، ما جعل من السويداء متحفاً مفتوحاً يُخلّد حِرفية الإنسان وصلادة الطبيعة في آنٍ معاً.
عبر آلاف السنين، حفرتْ حضاراتٌ متعاقبة بصمتها على جسد السويداء البازلتي. بدءاً من الكنعانيين الذين أسّسوا مملكة "باشان" وأتقنوا تشكيل الحجر الأسود في معابدهم، مروراً بالآراميين الذين نحتوا لغتهم على صخور المنطقة، وصولاً إلى الأنباط الذين حوّلوا البازلت إلى تحف معماريةٍ في القرن الأول قبل الميلاد.
لكنّ الحجر علمني الصبر، علمني أنّ الأمومة لا تكتمل إلا عندما أكون إنسانةً حرّة أولاً.
لم تكن هذه الحُقب مجرّد فصولٍ منفصلة، بل حواراً مستمراً بين الإنسان والحجر. الإغريق أضافوا لمساتهم عبر الأعمدة الكورنثية، والرومان شيّدوا طرقهم التجارية بالحجر ذاته الذي استخدمه الأهالي لبناء بيوتهم. أما البيزنطيون، فتركوا كنائسهم المزيّنة بالفسيفساء كشاهد على تحوّل الوظيفة من دون تغيير المادة. هذه الحضارات المتعاقبة تكشف سرّاً واحداً؛ أنّ البازلت لم يكن مجرّد مادة بناء، بل لغةٌ مشتركة تحدّثتْ بها كلّ حضارةٍ مرّت على هذه الأرض بلهجتها الخاصة، بينما ظلّ الجوهر كما هو صلباً كالإرث الذي تحمله هذي الأرض. هذا ما ترويه القطع والأوابد البازلتية المُتناثرة على مساحة المحافظة، والتي يعود أقدمها إلى العهد الكنعاني أي قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام. وللعصر النبطي حكايةٌ مختلفة عن تلك التي ترويها منحوتات عواطف وسميرة. فهناك، حيث يقف تمثالٌ للإله "ذو الشراة" من القرن الأوّل الميلادي، في بلدة قنوات، يبدو البازلت وكأنه ينتظر دوراً جديداً في سرديةٍ لم تكتمل بعد.
العقبات أمام عواطف لم تكن بسيطة. تتذكّر تعليقات الرجال في البداية: "كانوا يقولون: هذه المهنة تحتاج إلى رجل! حتى بعض النسوة كنّ يستغربن: لماذا لا تكتفين بالخياطة أو الزراعة؟". لكن إصرارها حوّل السخرية إلى إعجاب. اليوم، يأتي زبائن من كافة أنحاء المحافظة ليشتروا منحوتاتها، خاصة تلك التي تمزج بين البازلت والأدوات المنزلية التراثية القديمة، كالرحى وأجران الكبة والبرغل والصحون وأدوات الشاي والمتة، المصنوعة من البازلت الخالص.
"كانت جدتي تقصّ الحجارة.."
قبل قرنٍ من الزمن، حين كانت بيوت السويداء تُبنى بحجر البازلت الأسود، لم تكن النساء مجرّد مُشاهدات. كنّ شريكاتٍ خفيّاتٍ في عملية البناء، يحملن الحجارة الصغيرة، يعددنَ الملاط من الطين والتبن، ويسهرنَ على تلبيس الجدران بقطع البازلت المكسورة. رغم أنّ التاريخ الرسمي لم يوثّق أدوارهن، إلا أنّ الروايات الشفوية تكشف كيف كنّ يُسهمن في تشييد المنازل بين الفجر والمغرب، ثم يعدن لرعاية الأطفال وإعداد الطعام. "كانت جدتي تقصّ الحجارة الزائدة بمطرقةٍ صغيرة بينما يضع أبي حجر الأساس"، يروي أبو عماد من دوما لـ سوريا ما انحكت.
فصل الموظفين في السويداء .. مكافحة الفساد أم انتقام من الماضي؟
25 شباط 2025
ويروي لنا أشرف الشاهين حكاية عمته يسيرة 70 عاماً، التي شاركت زوجها في بناء بيتهما من القواعد والأساسات حتى الإكساء واللياسة. "يداً بيد حفرتْ عمتي أساسات المنزل مع زوجها. بعربةٍ قديمة، كانت تنقل الحجارة معه لتمتين القواعد ورفع البناء البازلتي. كما لم يقف الأمر عن هذا الحدّ بل كانت تقوم بإكساء الجدران من الداخل". يردف أشرف: "عندما دخل الإسمنت إلى القرية في أواخر السبعينيات كان لعمتي مشاركتها في تجديد الإكساء حيث كانت تمسك الرحت وتخلط البيتون، ثم تمسك الكفّ والمالج وتساعد زوجها في إكساء الجدران. حتى خزان الماء الإسمنتيّ الخاص بالمنزل شاركتْ في حفره وتلييسه. كما ساعدت أفراد عائلتها في إنشاء الخزانات الأرضية وتلييسها".
هذه المساهمات لم تكن عملاً "مساعداً" بل جزءاً عضوياً من منظومة البناء المجتمعيّ، حيث لم يكن الجهد الجسديّ حكراً على الرجال، بل مسؤوليةٌ مشتركة تقتسمها الأسرة بأكملها في مواجهة قسوة الطبيعة وندرة الموارد. أما اليوم، فبينما تنحت عواطف وسميرة البازلت، فإنهنّ لا يكسرن تابوهات الحاضر فحسب، بل يستعدنَ إرثاً نسوياً من العمل الشاق كان مُهمّشاً بطريقة منهجية.
وبالعودة إلى زاوية الورشة في منزل عواطف تتأمّلها جارتها وصديقتها أم رشيد وهي تنحت. "أتمنى لو أصبح مثلها"، تقول بلهفة. لتعلّق عواطف: "مَن تستطيع أن تنحت الحجر تستطيع أن تنحت مصيرها، بإمكانك أن تتعلّمي ذلك .. لاشيء مستحيل". هذا الحوار يلخّص المعركة الأكبر. فبحسب استطلاع رأيٍ ميدانيّ أجراه فريق بوصلة المدني التطوّعي وحسب ما قالت الصحفية والناشطة المدنية منار أبو حسون لـ "حكاية ما انحكت"، فإنّ أكثر من ثلاثين بالمئة من الفتيات والنساء في السويداء، تمّ استطلاع رأيهن، يرغبن الآن في تعلّم حرف غير تقليدية، مقارنة بما لا يتجاوز خمسة بالمئة فقط قبل عقدٍ من الزمن، بما يشير في أحد الجوانب إلى ضغط العامل الاقتصادي، ولهذا ربما يطلق أبناء المنطقة اسم "الذهب الأسود" على صخور البازلت.
أزمةٌ اقتصادية.. أكثر من مجرّد أرقام
في ظلّ الأزمة الاقتصادية السورية، ارتفعت أسعار جميع السلع المعيشية ولم يستثنِ ذلك الأدوات والمواد الخاصة بالعمل في النحت. هبطت القيمة الشرائية للّيرة، وارتفعتْ بعض الأسعار كثيراً عمّا كانته قبل الحرب. بدأ الجميع يبحث عن عملٍ يؤمّن أبسط الاحتياجات اليومية ويكفل استمرار الحياة بكرامة. تعذّر العمل والسفر على كثيرٍ من الشباب وقُطع شريانه بحصارٍ أطبقه النظام البائد كي يجبرهم على الالتحاق بصفوفه، لكن عواطف كالكثيرات غيرها من نساء السويداء رفضن زجّ أبنائهن في الحرب ضدّ أبناء الشعب السوري. فحوّلتْ ورشة النحت الصغيرة الخاصة بها وبزوجها إلى شريان حياة. "بيع قطعة واحدة قد يعادل راتب شهرٍ كامل في وظيفة حكومية، وأصغرها قد يعادل ربع راتب الموظف. لم يضطر أبنائي للسفر، ولا الالتحاق بجيش الأسد، عملنا كان يكفينا العيش بكرامة". تشرح عواطف بينما تعدّ قائمة طلباتٍ جديدة. لكن القصة أكثر تعقيداً من مجرّد أرقام.
لم يكن الجهد الجسديّ حكراً على الرجال، بل مسؤوليةٌ مشتركة تقتسمها الأسرة بأكملها في مواجهة قسوة الطبيعة وندرة الموارد. أما اليوم، فبينما تنحت عواطف وسميرة البازلت، فإنهنّ لا يكسرن تابوهات الحاضر فحسب، بل يستعدنَ إرثاً نسوياً من العمل الشاق كان مُهمّشاً بطريقة منهجية.
يوسف، زوج عواطف، يروي الجانب الخفيّ: "في البداية، كان العمل مشتركاً. ثم بدأت عواطف تتميّز في بعض التقنيات. اليوم تساعد في تأمين دخل الأسرة بشكلٍ جليّ". هذه التحوّلات الاقتصادية تخلق ديناميكياتٍ اجتماعيةً جديدة. يقول علي: "أصبحت بعض النساء في المحافظة يبحثن عن تعلّم حرف غير تقليدية للنساء. هناك من يتعلّمن ذلك خفية، وأخريات يصرخن بحقّهن في التعلّم، وهذا أمرٌ طبيعي فالفوارق الفيزيولوجية بين النساء والرجال لا تحدّ من أن العنصرين متساويان في المقدرة الإبداعية".
كسر تابوهات المجتمع
وفي مجتمعٍ ريفيّ لا يكسر تابوهاته بسهولة، تقول رهام حرب المهتمة بالأنثروبولوجيا الاجتماعية: "ما تفعله هاتان المرأتان هو تحدٍّ ثلاثي الأبعاد: جندريٌّ لأنه يتحدى تقسيم العمل التقليدي، عمرانيٌّ لأنه يعيد تعريف الفضاء العام، واقتصاديٌّ لأنه يخلق نماذج جديدةً للتمكين".
أما في المجتمع، فلا تزال الآراء مُنقسمة. "هذا عملٌ لا يليق بالمرأة"، يقول بعضهم. بينما يعتبر آخرون أنّ المرأة كالرجل: فإذا كانت تستطيع فعل ما لا يستطيع فعله، فلماذا لا يتعلّم منها؟.
بودكاست هنّ قادرات: عن عمل النساء في سلك الشرطة في الشمال السوري
04 آذار 2022
يقول محمد الغضبان في حديثٍ لـ "سوريا ما انحكت" محتجًا: "المرأة لم تخلق لترفع أوزاناً أو تحمل المطرقة والإزميل، بنيتها ضعيفة، قد خُلقت لتربية الأولاد والعمل في المنزل والحياكة، والوظائف الحكومية"، بينما يخالفه سامر حرب الرأي، يقول: "طالما أنّ العمل كريمٌ فلا فرق بين امرأةٍ ورجل، خاضت المرأة اليوم في كلّ مجالات العمل، التجارة والصناعة، منهن الطبيبة والمهندسة والطيارة والمديرة… فلماذا لا يكون منهن من يعملن في النحت والبناء. التمييز على أساس النوع ليس إلا وسيلةً لتهميش وإقصاء المرأة، ويجب أن يتم العمل بجدٍّ على محو فكرة التمييز في العمل".
وحول نوعية المنتجات التي تنتجها هاتان الورشتان من البازلت يقول يوسف حرب:"ننتج وزوجتي العديد من المنحوتات البازلتية التي تلبي حاجة الناس كأجران الكبة والصحون وقطع الزينة الحجرية التراثية، ونسوّقها عن طريق زبائننا من معامل الحجر، وأحياناً في أسواق تراثية كالتي تقيمها جمعية العاديات بشكلٍ سنوي". فيما يعتمد علي ووالدته مؤخراً على انتشار أعمالهما في المحافظة في مجال الرسم بالنقر أو نحت الصور على البازلت، كما يعتمدان اقتصادياً بشكلٍ أكبر على نحت شواهد القبور، التي تُعتبر مصدر رزقٍ مقبولاً.
عند غروب الشمس، تتحوّل ورشة يوسف وعواطف في دوما إلى لوحةٍ سريالية. أشعة الذهب الأخيرة تلامس وجهيهما، بينما يختلط غبار البازلت بعرق جبينهما.
العقبات أمام عواطف لم تكن بسيطة. تتذكّر تعليقات الرجال في البداية: "كانوا يقولون: هذه المهنة تحتاج إلى رجل! حتى بعض النسوة كنّ يستغربن: لماذا لا تكتفين بالخياطة أو الزراعة؟". لكن إصرارها حوّل السخرية إلى إعجاب. اليوم، يأتي زبائن من كافة أنحاء المحافظة ليشتروا منحوتاتها.
يقول علي: "هذه ليست مجرّد منحوتات. هذه أرواحٌ تنبض بالحب". ويستطرد "كلّ ضربة إزميل، كل شرارةٍ تخرج من صاروخ الجلخ، هي رسالةٌ فحواها؛ أنّ المرأة يمكنها أن تكون فنانة، عاملة، ومعيلة من دون أن تفقد أنوثتها أو حكمتها، وأنا فخورٌ بوالدتي التي كانت المحفّز الأوّل لاستمراري في المهنة". أما يوسف فيعتبر النحت فنّ الحياة. بينما تختتم عواطف حديثها برمزية: "هكذا تبدأ الحياة بنحت شخصياتنا كما ننحت الحجر، تصقلنا رويداً رويداً". أما سميرة الجدة الستينية فتقول: "النحت كتربية الأبناء، يحتاج إلى قلبٍ صابرٍ ومحبٍّ وحنون".
في قمم جبل العرب المرتفعة 1200 متر عن سطح البحر، تنساب كروم التفاح الخضراء، التي سُيّجت بأسوار من حجارة البازلت، ومنازل البازلت التي تتحدى المناخ القاسي، حيث رسّخ الحجر حضوره في كلّ تفاصيل الحياة. فهو العازل الحراريّ والصوتيّ الفريد، والمادة الأساسية لرصف الطرقات وتشييد المباني، فضلاً عن تصديره كمادةٍ خام إلى الخارج.