"غادر بعد ثلاثة أشهر من زواجنا، ولم يعد إلى الآن".
بهذه العبارة تجيب سعاد (30 عاما) من كفرنبل بريف إدلب الجنوبي كل من يسألها عن زوجها السعودي الذي غادر فجأة دون أن تعرف الى أين ذهب، ولماذا؟
أبو أسامة، لقب لأحد المهاجرين الذين وفدوا إلى سورية في عام 2014. وكالعديد من المهاجرين، تزوّج من سعاد السورية من كفرنبل في ذلك العام بعد أن أخبرها بأنه جاء لمناصرة أخوته السوريين ضد النظام السوري.
فريد (اسم مستعار/ 55 عاما)، وهو ضابط مخابرات (الأمن السياسي) من كفر نبل، منشق عن النظام منذ بداية عام 2013. يؤكد خلال لقاء شخصي معه أن "الزوج" كان زميلا له في فرع المخابرات، قبل أن ينشق عن النظام، وهو من الطائفة العلوية، ولكنه كان يدخل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام باسم "المهاجر السعودي أبو أسامة، والذي كان يقاتل مع جبهة النصره".
يقول فريد لحكاية ما انحكت: "بعد رؤيتي لأبي أسامة في أحد متاجر المدينة لبيع الحلويات، تذكرت ذلك الضابط العلوي، زميلي في فرع المخابرات السورية. عندها نظر إليّ نظرة خوف وارتباك. وفي اليوم الثاني أعلن الناس اختفاءه من المدينة!".
من جانبها، أوضحت سعاد التي التقتها حكاية ما انحكت، أثناء زيارة لها في مركز مزايا في كفر نبل، بأنها لم تستطع معرفة شيء عنه خلال عيشها معه إلا هويته وجواز سفره "السعودي"، حتى صلاته كان لها غرفة خاصة.
مهند (الاسم الأول/ 35 عام) الذي يعمل في مهنة تربية النحل وبيع العسل، من كفرنبل، يؤكد أيضا، خلال لقاء شخصي معه، أنه قابل ذلك الرجل عندما كان يأخذ نحله إلى مراعي تلك المنطقة في قرية الربيعة ذات الأغلبية العلوية في ريف حماة الغربي. لم تعد تلك المعلومات، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، تعني لسعاد شيئا عن أصله وحقيقته ما دام قد "غادر بلا عودة" كما تقول.
هذه حالة من عدّة حالات، تصل إليها فتيات سوريات يخترن الزواج من المقاتلين المهاجرين، والقادمين من بلاد ومصادر مجهولة، وأكثر ما يعرف عنهم الجملة المتداولة التي يدّعون فيها أنهم قدموا "لمساندة المعارضة السورية ضد النظام السوري المجرم".
زواج من رجل مجهول المصادر والأهداف، ومعقد النتائج، قبلت به بعض السوريات تحت ضغوط مختلفة وأسباب عديدة، بينما ترى به بعض من نساء المنطقة أنه زواج مهين، قلّل من شأن المرأة السورية وقيمتها بشكل عام، وبأنه غامض، باعتبار أنّ أصول ذلك الرجل تبقى مجهولة بالنسبة للزوجة مهما تحدّث وعرف عن نفسه، فإنّ الحقيقة تبقى غامضة، خاصة في ظلّ تصرفات بعضهم الغريبة والمريبة.
نفس الحالة تقريبا تكررت في قرية معرة حرمه في ريف إدلب الجنوبي مع "أبو طلال المهاجر" الذي يقاتل مع جبهة النصرة، الذي يقول أنه قادم من السعودية لمساعدة المقاتلين من الثورة السورية.
تزوج من ريم (اسم مستعار/ 18 عام) التي التقينا بها بشكل شخصي، تقول لحكاية ما انحكت: "كان يعاملني بقسوة وعنف وطالما ضربني، وكان يفرض علي قوانين غريبة، كأن لا أتكلم مع أحد خارج المنزل، أو ألا أستعمل الهاتف، ولا أذهب لزيارة الجيران! وإن حدث وذهبت، يذهب خلفي ويسألهم عمّا كنّا نتحدث؟!".
جارة ريم، أم يامن (48 عام)، والتي طالما استقبلتها عندما تأتي إليها شاكية باكية جراء سوء معاملته لها، بعد أن أعياها الوصول الى أهلها الذين نزحوا ويعيشون في المناطق الحدودية مع تركيا، تقول لحكاية ما انحكت، بأنها نصحت ريم بأن تتصل بأهلها بواسطة هاتفها وتخبرهم بمعاملته السيئة لها، وبعد ذلك ساعدتها على الهرب، فعادت إليهم بعد زواج فاشل.
من جهتها، الجارة أم يامن تبدي امتعاضها وشكوكها حول ذلك المهاجر، فتقول "إن تصرفاته تثير الشكوك حول حقيقته، خاصة وأنه لم يُري زوجته هويته، ولم يسمح لها أن تتكلم مع أهله، أو إخوته! بالإضافة إلى معاملته السيئة وضربه لها!".
معتز (اسمه الأول/ 28 عام) من الجيش الحر من سكان قرية معرة حرمه، وهو زميل لأبي طلال المهاجر، يفيد خلال لقاء شخصي معه، بأنه لاحظ على صديقه المهاجر السعودي، أنه بدأ آخر فترة بامتهان طب الأعشاب والتداوي به بين الناس!
معتز يلفت الى ناحية مهمة وهي أن أغلب هؤلاء المهاجرين يطلقون على أنفسهم أسماء مستعارة مثل: "أبو طلال وأبو يوسف، أبوأحمد... فهذه الألقاب تبقيهم مصدر شك وريبة، خاصة لمن لا يقبل منهم بإبراز هويته الشخصية كأبي طلال، وبأن بعضهم قد يكون مخابرات لجهات مجهولة" حسب ظنه.
حالات ناجحة
بالرغم من وجود هذه الحالات الفاشلة، إلا أنّ ذلك لم يمنع استمرار حالات الزواج تلك، وتكرارها في كافة المناطق، سيما وأنه ليست جميع الحالات تفشل بهذه السرعة، أو سريعة النتائج بهذا الشكل.
لمياء (26 عاما) من ريف حماة، تسكن اليوم في مدينة إدلب. تقول خلال لقاء مباشر معها: "قبلت الزواج من زوجي الروسي الأصل، فأنا وأهلي عانينا من سطوة النظام وظلمه، حيث قتل أخي، وسجن أخي الآخر، لذلك نحترم كل من هاجر إلينا ليساعدنا على إزالته والانتقام منه".
ولده الذي في أحشائها ينتظر القدوم إلى هذه الحياة ووالده كان قد سجل سلفا على عملية استشهادية ضد النظام وأعوانه، موضحة بأنه أخبرها بذلك قبل أن يخطبها، ومع ذلك وافقت على الارتباط به.
تقول رشا (25 عام): "كنت آخذ كلامه عن نفسه وتعريفه عنها بثقة تامة، وتزوجته على هذا الأساس".
الخوف من العنوسة والطلاق.. أسباب أخرى
تشرح لجين خلال لقاء معها في بيتها، عن سبب قبولها بالزواج، من ذلك المقاتل المهاجر بقولها: "بعد أن تركت زوجي الأول بسبب خلافاتنا، أصبحت فرص الزواج مرة أخرى بالنسبة لي ضعيفة لأني أصبحت مطلقة، وذلك بحسب أعراف أهل البلد، لذلك قبلت بالزواج من مقاتل مهاجر".
أما والدها يبدو مسرورا جدا بنسيبة الجديد الذي يساعده في الزراعة وأعمال الأرض.
من الملاحظ، أن عدد الفتيات اللواتي تزوّجن هذا الزواج في تزايد مستمر بالرغم من بعض حالاته الفاشلة. تشير إحصائية نشرتها حملة تدعى "مين زوجك" (2018) بإدارة الناشط نسيب عبد العزيز، والذي يعمل ضمن مجموعة تطلق على نفسها اسم (سوريون ضد التطرف)، حيث تعمل المجموعة على التنبيه والتوعية ضد التطرف وكشف أساليب المتطرفين في التدليس بما يناسب مصالحهم وغاياتهم، ساعين لتبيان الأخطار وأثرها على المجتمع السوري بكل مكوناته. طالت الحملة التي يعمل أفرادها بشكل سري خوفا من المتطرفين، كل من إدلب وريفها وريف حماه الشمالي، وبينت الحملة بأنه قد بلغ عدد المتزوجات من المهاجرين 1735 من عام 2013 حتى عام 2018. 65 حالة منها هرب الزوج وترك زوجته، و190 حالة صارت بحكم الأرملة أو المطلقة.
يقول مسؤول الحملة، نسيب عبد العزيز الذي تحدثت معه حكاية ما انحكت عبر اتصال هاتفي: "الهدف من الحملة هو بيان الآثار السلبية جراء هذا النوع من الزواج على الأفراد والمجتمع، وخاصة الأطفال، عن طريق نشر رسائل توعوية، توّضح تلك الأضرار كما ركزت على مستقبل الأطفال ونسبهم وهوية هؤلاء الأطفال والعوائق المؤثرة على مستقبلهم، فهم حكما وقانونا مجرّدون من الحقوق المدنية السورية".
كما كان من أهداف الحملة، التركيز على الوضع الصحي والنفسي والعائلي للمرأة في هذه الحالة، خاصة وأن معظمهم تركوا نساءهم بسبب وفاتهم أو انتقالهم إلى مناطق أخرى أو بسبب زواجهم مرة أخرى.
وعمّا إذا كانت الحملة قد حققت نتائج ملموسة، تحدث نسيب عن تفاعل شعبي كبير وغير متوقع من الناس مع الحملة لدرجة أن بعض المتزوجات من مهاجرين شاركن في النقاش والحوار في المنتديات الحوارية لتلك الحملة، وبالإدلاء بإفادتهن ومعلوماتهن الكاملة عن هذا الموضوع.
من جانب آخر، يؤكد نسيب على أنّ الحملة تعرّضت للملاحقة من بعض التنظيمات كهيئة تحرير الشام وبقايا تنظيم جند الأقصى.
هربا من "نق الحماية" أم الجهل؟
أم عبد القادر (مستعار/ 46 عاما) نازحة من مدينة حماة إلى قرية بسقلا في ريف إدلب الجنوبي، وهي ربة منزل/ بالإضافة لعملها أحيانا في الورشات النسائية العاملة بالزراعة في تلك المنطقة. تقول بأنها لاحظت أن "المرأة مظلومة في هذه القرية (بسقلا) والقرى التي تجاورها، حيث تتلقى الفتيات معاملة سيئة، إذ يجبرهن أهاليهن على العمل في الأراضي الزراعية بدون أي امتنان، أو شكر وتقدير من ذويهن".
وتضيف أن "الكنة (زوجة الابن) تتلقى معاملة سيئة عادة من قبل بيت عمها الذين لا يتوانون عن إهانتها، وهذا ما يعلل رغبة أكثر البنات في ريف إدلب أن يقبلن بالزواج من مهاجرين ليس لهم أب أو أم، يفسدون علاقتهن مع الزوج الابن".
وبحسب أم عبد القادر "ففي قرية بسقلا هذه، والتي يبلغ تعداد سكانها خمسة آلاف نسمة، بلغ عدد المتزوجات من مقاتلين مهاجرين ثمانية بسبب الجهل وقلة الوعي، بينما في مدينة كبيرة قياسا بالقرى الصغيرة الأخرى كمدينة كفرنبل التي يبلغ تعداد سكانها 100 ألف نسمة لا يوجد حالات لهذا الزواج سوى حالتين، بسبب كون سكان هذه المدينة أنضج وثقافتهم ذات مستوى أعلى".
من يعارض؟
هناك الكثير من مثقفي وأهالي المنطقة يعارضون هذا النوع من الزواج. وحجة أصحاب هذه المواقف تتمثل في الخوف من أصول هؤلاء المهاجرين الحقيقية وغاياتهم في ظل عدم الاطلاع على هوياتهم، أو أيّة أوراق رسمية تثبت ما يقولونه أو يدعونه عن أصولهم، وولادة أطفال مشتتي النسب والإقامة، مما يؤثر في استقرار الأسرة التي هي عماد المجتمع.
منير (مستعار/ 55 عاما)، التقته حكاية ما انحكت بشكل مباشر، وهو مهندس عمارة من مدينة كفرنبل، يوضح بأن أهل مدينته "يعارضون الزواج من خارج المدينة أصلا داخل سورية، فكيف إذا كان الزواج من دولة أخرى أو مناطق مجهولة؟".
الحقوقية، وداد الرحال، ناشطة حقوقية نسائية من مرعيان، رئيسة الرابطة النسائية السورية في محافظة إدلب المحررة، أخذت على عاتقها توعية النساء تجاه ذلك الزواج ومخاطره على المدى البعيد من خلال محاضرات منظمة في المراكز النسائية الموجودة بالمنطقة، وخاصة فيما يتعلق بمصير أولاد المهاجرين، حيث لا يوجد هناك دفاتر عائلية رسمية وحقيقية يسجلون بها، مما يضطر بعضهن لتسجيل الأولاد على دفتر عائلة أبيها وأهلها فيصبح ولدها بمثابة أخيها في التسجيل!
قام متطوعون معارضون لهذا الزواج بعدة حملات توعوية لأخطاره أيضا كحملة "لاجئات لا سبايا"، وحملة "طفلة لازوجة" للتوعية بمضار زواج القاصرات في المناطق المحررة. وتتمثل نشاطات هذه الحملات بالكتابة على الجدران حول مخاطر الأمر، وعبر تقديم محاضرات توعوية.
من ناحية أخرى، ناقشت مجموعة من النساء أثناء الجلسات الحوارية لوضع الدستور السوري التي أقيمت بمعرة مصرين في 2/2/2019 مع مهتمات ومغتربات سوريات دعت إليها الحركة النسوية السورية عبر سكايب، إمكانية تغيير البند القديم الذي لا يسمح للمرأة السورية بإعطاء الجنسية لأولادها. حيث تم الاتفاق على ضرورة الضغط والنضال من أجل حصول المرأة على حقها بمنح الجنسية لأبنائها، من أجل إنصاف ذلك الطفل الذي يأتي من أب مهاجر.
تتحدث رانيا (مستعار/35 عاما) من قرية معرة حرمه بريف إدلب الجنوبي عن عقد زواجها بمهاجر من كردستان العراق، فتوضح بأنه عقد زواج مدني كتبه شيخ بحضور شاهدين من رجال أهل المنطقة، حيث يوقع الطرفان على هذه الورقة التي هي بمثابة عقد الزواج، وذلك خلافا للطريقة المعروفة لدى أهالي المنطقة قديما حين كان يتم تثبيت هذا العقد لدى محكمة تابعة للدولة القائمة آنذاك.
تقول رانيا التي تحدثنا إليها عبر الهاتف، بأنها غير نادمة على هذا الزواج بالرغم من وفاة زوجها بسبب مرض السرطان، وذلك لأنها حصلت منه على طفلها الذي تحبه وتستأنس به بعد أن وصلت لسن 35 سنة، حيث يئست مع هذا العمر من فرص الزواج. ولكنها باتت تعاني اليوم من قضية تسجيل ولدها، فهي لم ترغب تسجيله على خانة واسم أهلها ولا لدى الإئتلاف سابقا، والذي حل محل حكومة الإنقاذ التي تتبع لهيئة تحرير الشام حاليا.