حكاية الرغيف السوريّ.. كرمزيّةٍ عصيّةٍ على الاتساخ، ومقياسٍ للكرامة الإنسانية


01 آب 2025

ملك الشنواني

كاتبة وباحثة وصانعة أفلام، مهتمة بقضايا التهميش والحريات في سوريا.

يقف بائعو الخبز في منتصف الشارع، ينوؤون بحمل تلةً من الربطات، يعرضونها على أصحاب السيارات المُسرعة (الخواجات) ممن لا يريدون تضييع الوقت على طابور الفرن. تكثر النساء بين باعة الخبز، ولطالما وُجِد بينهم عسكريون ومصابو حرب، لكن وجوه العسكريين السابقين تبدو اليوم أكثر حضوراً في مهنةٍ تقدّم الفُتات وتُجرّم كتجارة أزمة.

تقف أم علي، مرتديةً نقابها، تحت شمس الظهيرة، لتبيع ربطات الخبز، التي تشتريها بأربعة آلاف من الفرن، بسبعة آلاف للمارين المستعجلين في مشروع دمر. أم علي، أربعينية تتحدر من ريف حلب، نزحت إلى دمشق منذ سنوات، ولا يستطيع زوجها تأمين احتياجات عائلته من عملهم البسيط، مما اضطرها لمشاركته عبء تحصيل الرزق، لكن بغطاء وجهٍ لا يكشف هويتها، متجنّبةً التعرض للمهانة بين أقاربها.

تقول لسوريا ما انحكت بعد ترددٍ في الحديث معنا، والمخاطرة بالتعرض للمشكلات أو الكشف عن هويتها: "قبل التحرير كانوا يلاحقوننا كون عملنا غير قانوني، كنا نجمع البطاقات الذكية ونتشارك الربح مع عاملي الفرن لنشتري عدة ربطات، الواحدة منها ب 400 ليرة لنبيعها بثمانمائة. اليوم عملنا أصبح عادياً لكن الناس لم يعودوا بحاجتنا كما في السابق، لأنه ما من انتظارٍ طويل".

رغم تفضيل معظم السوريين/ات مذاق خبز (الدولة) على غيره، فإنّ الوصول إليه، يفصل الأغنياء عن الفقراء في سوريا بشكل واضح، إذ هناك من يقف في الدور، قبل شروق الشمس، يقاسي البرد أو الحرّ، للحصول عليه. وهناك من يشتريه من الباعة على الطريق، أو يشتري عوضاً عنه الخبز (السياحي) المتاح في الأفران الخاصة عند الرغبة.

نساءٌ يُحاورن الحجر ويكسرن تابوهات الحاضر

10 حزيران 2025
"هذا ليس عملاً، هذه محادثةٌ بيني وبين الحجر" هذا ما تقوله سميرة الحسين (64 عاماً) وهي تنقر بإزميل جلخ كهربائيّ على بلاطةٍ حجرية، في مهنة "تحتاج إلى رجل!" كما كانوا...

ولعل تعبير "مو شبعانين الخبز" للدلالة على الفقر الذي يدفع بصاحبه إلى إساءة السلوك، يشرح كفاية معياراً سورياً خاصّاً؛ أن تشبع الخبز يعني أن تحافظ على كرامةٍ ما.

وللخبز كرامةٌ خاصة وعتيقة بين السوريين/ات، فقد ترى بعض الطعام الفاسد في القمامة، لكن معظمهم سيأخذون قطعة الخبز المرمية أرضاً، يقبلونها، ويضعونها في مكانٍ مرتفع عن الأرض كي لا تدوسها الأقدام.

في الوقت نفسه يثير تعامل السوريين/ات مع خبزهم القادم من أفران الدولة استغراب أيّ زائرٍ غير سوري، فهم يأخذونه فينشرونه على السيارات والعوارض المُتاحة حول الأفران كي يجفّ ويسهل (تفليقه)، أي فصل قطعتيه المنفوختين بالهواء بينهما عن بعض، موقنين بأن تجفيفه بهذه الطريقة لا يسبب اتساخه ولا يعرّضهم إلى مرض.

ولعل في مكانة الخبز الاجتماعية وضرورته، كأحد أهم عناصر التغذية بالنسبة لغالبية السكان، ما حدا بحزب البعث لوضعه خطّاً أحمر في عقدٍ اجتماعي غير مُعلن بينه وبين الناس، خالقاً مشكلةً تنطّع ليلعب دور البطل فيها، حسب سمير حمودة، ابن دمشق السبعيني وأحد البعثيين القدماء والمدراء المتقاعدين في اتحاد نقابات العمال. متذكراً حكاية تأميم هذا القطاع، ومحاولاً استرجاع أحداث عاصرها خلال شبابه يقول: "أرادت الدولة أن تُسيطر على إنتاج الخبز كما أرادت أن تسيطر على كلّ شيء فبدأت بإنشاء الأفران الحكومية. لم يكن هذا ضرورياً فقد كانت البلاد تمتلئ بالأفران التي تبيع كلّ أنواع الخبز، لكن مع تضخّم الليرة وارتفاع أسعار المحروقات خلال الثمانينيات بدأت الدولة بدعم الخبز والمحروقات للحدّ من أضرار سياساتها الاقتصادية حينها".

قبل أن يُعرف الخبز المدعوم بخبز الدولة، كان يعرف بالخبز المرقّد، الاسم الذي بقي العديد من الناس يستعملونه حتى اليوم، وكان يُنتج بشكلٍ يدوي وباستخدام عجاناتٍ كهربائية أحياناً، لكن دولة البعث أنشأت أفران خبز مرقد آلية، وفرضت على الأفران الخاصة المشاركة في إدارتها، تلتزم فيها بإنتاج الخبز بمواصفاتٍ محدّدة وبيعه بالسعر المدعوم، وبدأت تسميتها بالأفران الاحتياطية.

قبل هذا كلّه، انتشر في سوريا أنواع خبزٍ مختلفة، يعد بعضها من الأقدم في العالم، فالخبز المسطّح حسب ما كشفت بعض الأدلة الأثرية يعود إلى ما قبل 14,400 عام وقد اكتشف في منطقتنا وتحديداً شمال شرق الأردن. وللخبز المسطّح أنواع، فمن أقدمها خبز التنّور، ومعناه خبز نار الطين بالأكادية، والذي كان يُصنع في أفران من الطين، إلى خبز الصاج الذي يُقال إنه كان يُخبز قديماً على درع الجندي المحمّى على النار، والخبز المشروح الذي يشوى في أفران حجرية.

في الوقت نفسه يثير تعامل السوريين/ات مع خبزهم القادم من أفران الدولة استغراب أيّ زائرٍ غير سوري، فهم يأخذونه فينشرونه على السيارات والعوارض المُتاحة حول الأفران كي يجفّ ويسهل (تفليقه)، أي فصل قطعتيه المنفوختين بالهواء بينهما عن بعض، موقنين بأن تجفيفه بهذه الطريقة لا يسبب اتساخه ولا يعرّضهم إلى مرض.

تتذكر هدى المصري فرن القزازين للخبز المشروح المجاور لبيتهم العربي في دمشق، والذي لطالما أعاد مذاقُ خبزه إلى ذهنها ذكرياتِ طفولتها في ستينيات القرن الماضي، عندما كانت المكلفة بشرائه لفطور العائلة صباحاً: "تناول لقيماتٍ ساخنة منه في الطريق إلى المنزل كان طعم الألفة بالنسبة لي. أُغلق الفرن منذ سنواتٍ قليلة، بعد خساراتٍ تكبدها، وذلك بعد أن أصبح المشروح مع طبق الفول رفاهيةً للبعض أيام الجمعة. عندما نشتهي تناول خبزٍ آخر غير المرقد، والتمتع قليلاً بطعم ينقرض رويداً رويداً، بتنا عوضاً عنه نشتري الخبز العراقي، الذي يشبهه، لكنه أكثر سمكاً".

لكن عائلة الخبز السورية كثيرة الأنواع. هناك خبز النخالة أو الأسمر أو خبز السكريّ، وهو خبزٌ مسطّح مصنوع من القمح الكامل لأغراض صحية. ويستخدم الخميرة للنهوض بقوام، خبز القربان وخبز القالب والمعروك، الذي يظهر خلال المناسبات الدينية. بينما ارتبط ما يُعرف بـ "الخبز العسكري" بالجيش حيث أنتجت وزارة الدفاع خبزاً من طحين الشعير والقمح، يشبه الخبز الروسي الأسود.

وصنع مستثمرون سوريون "الخبز اللبناني". كان ذلك بعد فرارهم من قانون التأميم إلى لبنان، ليعودوا إلى بلدهم بالخبز السياحيّ بداية التسعينيات. أيضاً، يُعرف في سوريا الخبز "المبعوص" وهو يشبه خبز الفوكاشيا الإيطالي. بعد الانتداب، بدأت تشيع نسخةٌ من الخبز الفرنسي، وبات يُعرف ب "الصمون"، الذي يشبه خبز الفينو المصريّ.

أفرانٌ قليلة لا زالت تقدم "الخبز المبعوص" في مناطق دمشقية شعبية، كالقيمرية والشيخ محي الدين، يشتريه المارة من كبار السنّ، لتذكر طعمه، بينما يتناوله الشباب من طلاب الجامعات والعشاق المارين في الحارات القديمة لتجريبه.

تتذكر نور فيصل، ابنة دير الزور التي استقرت مع أهلها في دمشق منذ سنواتٍ طويلة، الخبزَ المشروح المرشوش بحبة البركة، الذي اعتادت كطفلةٍ على تناوله كجزءٍ من مشوار سوق الجمعة: "كنت أنتظر ذهابنا إلى الشيخ محي الدين لشرائه وتناوله على الطريق مع أقراص الفلافل أو المسبحة من محل بوز الجدي الشهير، فيما كان أهلي يتبضّعون الخضار والبهارات من المحلات الكثيرة الممتدة على الطريق."

تغيّرت مكانة الخبز مع مرور الوقت وغلاء المعيشة، من طعامٍ ذي مدلولٍ اجتماعي وثقافي وديني إلى تكريسه كصنوٍ للفقر في المرويات الحديثة. في فيلم عمر أميرالاي "الحياة اليومية في قرية سورية"، تظهر العائلة تتشارك كسرات الخبز مع الشاي كتعبيرٍ عن الحياة القاسية، سيرسّخ في أذهان السوريين، الذين لطالما حثّوا أبناءهم على زيادة تناوله مع الطعام كي يشبعوا. "أكثر الإدام!" جملة استخدمها الأستاذ سمير حمودة عبر السنوات مع أبنائه كما استخدمها أبواه معه.

حسيبة عبد الرحمن: بقيت في سوريا كي لا يُقال أنّ أهل كفرسوسة طردوا الأقليّات

12 تشرين الأول 2021
إنّها حسيبة التي ما إن يُنطق اسمها أو يلفظ في مجلس ما أو يشار إليها، حتى تتلفت الرقاب نحوها بتقدير ناجم عن احترام كبير وجليل لامرأة يعرف كلّ من عرفها...

جعل حصار مناطق في سوريا عبارةً كتلك غريبة لدى الناس، رغم تذكرهم الدائم لها! فلسنوات كانت الغوطة الشرقية مستفيدةً من توفّر المحاصيل الزراعية والدواجن والمواشي، لكنّ الخبز وحده كان العملة الصعبة.

عبير يديك، إحدى الناشطات النسويات في مسرابا في ريف دمشق، والتي عاشت أيام الحصار وعانت القصف خلاله والاعتقال بعده، تعيد إلى الأذهان ما عاشه الناس هناك وتعمل على إحياء ذكرى مجزرة المطاحن، عندما استطاع بعض المقاتلين الوصول إلى منطقة المطاحن وهرع الناس خلال المعركة مسرعين لجلب ما يمكنهم من أكياس الطحين، ليشتد القتال ويذهب ضحايا كثر في محاولتهم تلك. "مع الأخبار عن تدمير المطاحن في السويداء بعد المعارك الأخيرة أتذكر كيف يكون الاقتتال على الطحين معبّراً عن أقسى ما يمكننا فعله لبعضنا، وكيف يلخّص هذا معنى الحصار"، تقول عبير.

سيهتف الناس بعد حين في الغوطة "ما عاد بدنا حرية، بدنا خبزة طريّة"، مُتعبين من تناول الخبز العفن واليابس الذي بات الحصول عليه حينها، بعد أن اعتادوا على استخدامه كعلفٍ سابقاً. ستتشارك النساء والأطفال مع الدجاج البحثَ عن كسراته في القمامة لفترات قبل فك الحصار، وإعادة الأفران إلى مناطق سيطرة المعارضة، لكن مع السماح بوصول كمياتٍ محدودة من الطحين، ما دفع بالسكان للوقوف ساعاتٍ طويلة بانتظار الخبز. كانت فرصهم في الحصول عليه ضئيلة، ما كان يعني التنقّل ربما في دمشق، بحثاً عن أفران عاملة، تشفق عليهم ببعض الخبز.

سيتحوّل الخبز إلى مادة، يدور حولها الكثير من الأخذ والرد، بين السوريين/ات الأكثر فقراً وحكومة النظام السابق، وذلك حول مستحقّيه بالسعر المدعوم وأولئك الذين يستطيعون تحصيله دون مساعدة. وقد فرّقت ما تسمى بالبطاقة الذكية، المستعملة لشراء البضائع المدعومة، بين الطرفين المذكورين آنفاً، بامتلاك السيارة.

تتذكر أم لؤي رهاب البحث عن مكان مخصصاتهم من الخبز والأيام المحددة للحصول عليه في جرمانا، في ريف دمشق: "تحصيل الخبز كان يخضع لتعديلاتٍ جديدة، كل عدة أيام، فمرةً كان علينا الوقوف في الفرن، وانتظار المعتمد لتوزيع الخبز، ثم عدنا لشرائه من الفرن وهكذا. كل هذا بعد معاناةٍ لاستخراج البطاقة الذكية، وتنزيل التطبيق وانتظار الرسائل لاستلام المخصصات". تم تعيين معتمدين في أكشاك أو محلاتٍ تقوم بتوزيع الخبز لتخفيف الازدحام عند الأفران، لكنها فاقمت من معاناة التجمعات، التي بات عليها انتظار سيارات التوزيع لتحصل على ربطاتٍ باردة بأرغفة ملتصقة.

اختلف عدد الربطات التي يمكن للمرء شراؤها والأيام المحددة للقيام بذلك، وارتفع سعر الخبز رويداً رويداً. مع تقليص الدعم لسلع أخرى أيضاً، علت الأصوات الساخطة بين السوريين/ات حتى سقوط نظام الأسد. نُعِت حراك مدينة السويداء المعارض عام 2023 ب"ثورة جياع"، تقليلاً من أهمية الإجماع السوري على رفض سياسات النظام عامةً حينها، فكان بدو السويداء يشاركون ساحة الكرامة مع الدروز رغم ما يشاع في الأثناء عن خلافاتٍ طويلة الأمد بين المجموعتين.

تغيّرت مكانة الخبز مع مرور الوقت وغلاء المعيشة، من طعامٍ ذي مدلولٍ اجتماعي وثقافي وديني إلى تكريسه كصنوٍ للفقر في المرويات الحديثة. في فيلم عمر أميرالاي "الحياة اليومية في قرية سورية"، تظهر العائلة تتشارك كسرات الخبز مع الشاي كتعبيرٍ عن الحياة القاسية، سيرسّخ في أذهان السوريين، الذين لطالما حثّوا أبناءهم على زيادة تناوله مع الطعام كي يشبعوا. "أكثر الإدام!" جملة استخدمها الأستاذ سمير حمودة عبر السنوات مع أبنائه كما استخدمها أبواه معه.

ورغم نقمة السوريين الكبيرة على محاولات رفع الدعم عن الخبز عبر السنوات، إلا أن معظم الأصوات المعترضة اختفت بعد السقوط، مُحتفلة بتوفّر الخبز أو تحريره، متجاهلة رفع سعره عشرة أضعاف دفعةً واحدة. كان الخبز علامةً فارقة على تغيّرٍ جذريّ في حياة بعض السوريين/ات حينها. تقول أم لؤي التي نزحت من درعا بعد اختفاء زوجها، لتعمل في دمشق وتربي أطفالها الخمسة: "الدخان رخص بس". تدخن أم لؤي بشراهة، وتتحدث دون تركيز: "أصبحت ربطة الخبز بأربعة آلاف والسرفيس بخمسة. هذا ما نلناه من التحرير".

أبو نايف، وكأيّ عامل مخبز، يرتدي ثياب (العري) القديمة الرمادية من آثار الطحين يدخن بشراهة أيضاً منزعجاً من تغيّر شروط عمله "قد نغير المهنة، فهم يطالبوننا بالكثير ويفرضون غراماتٍ كبيرة على أي خللٍ غير مقصود. كان وزن الرغيف 130 غراماً لكنه اليوم 100 غرام، وعدد الأرغفة في الربطة أكبر. لا نعمل كما في السابق لأن الناس لم يعودوا يستطيعون شراء الخبز كما في السابق بعد رفع سعره".

يتذمّر العاملون في المخابز عموماً من اعتبارهم فلولاً من قبل الإدارة الجديدة، ويستثيرهم عدم تقدير عملهم لإطعام السوريين/ات خلال كل تلك السنوات، استيقاظهم كلّ الليل وعملهم بكدٍّ لاثنتي عشرة ساعةً متواصلة لتأمين قوت الناس، مستعينين بخبرتهم التي توارثوها عن آبائهم، ودقّة عملهم ليخرجوا بمنتجٍ مقبول للناس، عبر تغيير حرارة المقادير حسب الطقس والوقت خلال اليوم. يضع معظم العاملين في الأفران خدمة جيرانهم في الحي أو المنطقة كأولوية، ويتذكر معظم السوريين/ات لياليهم عند الأفران قبل السقوط. كان على سامر الذهاب إلى الفرن على الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً، وكان الدور موضع عراكٍ كبير وتواصلٍ اجتماعيّ في آن: "كان الناس يتكاتفون ضد العسكريين الذي يحاولون تجاوزهم، ويطالبونهم بإبراز هوياتهم، وكان الوقوف لساعات أمراً مضنياً، تخففه الأحاديث التي يتبادلون فيها الأخبار". يتذكر سامر كيف كان الوقوف عند الفرن جزءاً يومياً من حياته عبر السنين، وكيف كانت كوة العسكريين فارغة أيام التسعينات، لا يتأخر الواقف عندها دقائق بينما ينتظر مع أمه وقتاً طويلاً، ويلهو باللعب على القضبان التي تفصل دور النساء عن الرجال والعساكر.

الصوت الضائع: سوريو المحرّر الجديد

13 حزيران 2025
"هناك أشياء لن يدركها إلا من عاشها، ومنها بتر علاقاتك ومسح صورك لأنك اخترت أن تبقى في أرضك، كمن يُقطّع أوصاله ليُبقي على روحه" هذا ما تقوله عبير ش متذمرةً...

لا يزال السوريون يقفون في الدور للحصول على خبزهم. لا يقضون الأوقات نفسها، لكنهم يدفعون مبالغ أكبر. وتحاول منظمة الغذاء العالمية دعم بعض المناطق ، كدرعا وحلب، مؤقتاً، لتخفيض سعر الخبز إلى 2200 ليرة.

تبدو الصفقات الكبيرة التي تتحكّم برغيف السوريّ محل تنازعٍ كبير وإشاعاتٍ أكثر. يُقال إن حكومة النظام السابق حصلت على معونات طحينٍ من روسيا لتبيعها لأصحاب المخابز وتحقّق الربح، وشغلت صفقات القاطرجي الرأي العام في بيع القمح السوري للحكومة، كما كان مشروع دعم الخبز الذي نفّذه الهلال الأحمر، أول مشروعٍ يتم إيقافه بسبب الفساد قبل السقوط، ثم بدأ التجريب بالقمح السعودي والأوكراني بعد السقوط.وتتنوّع الآراء حول مبادرة الحكومة بالمنحة المقدّمة لمن يبيعها القمح، أهي تعترف بحقّ المزارع في ثمنٍ أعلى أم تمن عليه!

واليوم نشهد بداية معاناةٍ جديدة للحصول على الرغيف في السويداء بعد المعارك الأخيرة وتقطّع السبل بين المدينة ومحيطها. طوابير طويلةٌ تمتد عشرات الأمتار تحت الشمس الحارقة للحصول على بضعة أرغفة في ظل انقطاعٍ لإمداد الغذاء وحركة التجارة، ما يترك علاماتٍ جديدةً للذلّ في الجسد السوري، بعد أقفاص ضبط الطوابير لشراء الخبز في دمشق، وأكوام الخبز الملقاة عند المعابر بين مناطق النظام والمعارضة فيما مضى.

في الطريق إلى الجزيرة السورية يراقب العابر حقولاً صفراء فارغة كانت تشب أمتاراً خضراء من القمح قبل جفاف هذا العام. ويبقى محل تساؤل، إمكانيةُ عقد اتفاقاتٍ سياسية واجتماعية، تبقي رغيفها متاحاً لناسها، قبل أن يتحوّل إلى أداةٍ للتحكّم والقمع مرّة أخرى.

مقالات متعلقة

النحات خالد ضوّا: الظروف أعادتني إلى "الانتظار" رغماً عني

11 تشرين الأول 2024
قلّما نجد نحاتاً يدمّر طوعاً عملاً ضخماً، أمضى شهوراً طويلة يصنعه وينقله من مكانٍ إلى آخر، ويرمّمه. لكنّ النحات السوري خالد ضوّا، فعل ذلك مع تمثاله "ملك الثقوب". في هذا...
تجارة أزمة... لكن غير رابحة

04 تشرين الأول 2016
تغدو حياة السوريين القاطنين والمحاصرين في جزء من حي القابون و حي برزة البلد كما لو أنها في "ليمبو"، تحت رحمة "مزاج" الحاجز الذي يقاس وفق المسافة الفاصلة بين جيبه...
الشوام وما أدراك ما الشوام (8)

24 آب 2018
قصتي مع زميلتي الشيعية كانت مختلفة، وفيها صفاقة الأكثرية بادية، إذ وجدت على دفترها عبارة (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) وتحتها كتبت الشهادتان، فما كان مني...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد