(ريف إدلب)، "بتنا نفضّل البحث عن عمل من أجل مساعدة أهلنا بدل الذهاب إلى المدرسة التي لم يعد فيها التزام بسبب تسرب الطلاب والمدرسين، وعدم وجود أعداد كافية من الكتب واللوازم المدرسية".
هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت، الطالب محمد الحسن (17 عام) من منطقة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، والذي نزح إلى مخيمات أطمه بسبب القصف.
ومن جهة أخرى، يشكو مدرس الرياضيات حازم الفرحات (35 عام) من البطالة في الصيف بسبب انتهاء عقده الدراسي التعليمي مع مديرية التربية والتعليم، خصوصاً مع موجة النزوح التي اضطرته لترك منزله الواقع في بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي إلى منطقة كبتا بريف إدلب الشمالي، الأمر الذي يشير إلى بعض مشاكل التعليم في محافظة إدلب وحماة وريفهما.
الواقع التعليمي الآن
وبعد سيطرة الفصائل المقاتلة على مناطق الشمال السوري، قام النظام السوري بفصل آلاف المعلمين الذين لا يذهبون لاستلام رواتبهم من مناطق سيطرته؛ مما دعا حكومة الإنقاذ التي تسيطر على مناطق إدلب على استلام ملف التعليم وتجهيز المدارس وتأمين رواتب المعلمين عن طريق المنظمات الإنسانية التي تدعم ملف التعليم، وخصوصاً منظمة كومنكس التي تكفل رواتب آلاف المعلمين في إدلب. ومنظمة كومنكس، هي المنظمة التي تستلم منحة المفوضية الأوروبية المقدمة لمديريات التربية في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، في شمال غرب سوريا.
وقد كانت منظمة كومنكس توقع عقودا سنوية لمدة تسعة أشهر لتلبية حاجات المدراس، ودفع رواتب المدرسين، لكنها أبلغتهم هذا العام بتوقف الدعم وعدم تجديد العقود دون إبداء الأسباب.
يقول سمير العمر (اسم مستعار) وهو مسؤول في المجمع التربوي في إدلب وينحدر من ريف إدلب الجنوبي، وقد تواصلنا معه عن طريق الهاتف إن "منظمة كومنكس توقع عقوداً للمعلمين في الأشهر التي يقومون بالعمل فيها، وهي 9 أشهر للفصل الأول والثاني. أما في أشهر الصيف الثلاثة فهم غير ملزمين بالدفع للمعلمين، بسبب عدم وجود عمل لهم خلال هذه الأشهر".
وأضاف "السبب الرئيسي لانقطاع الدعم هو إيقاف منحة المفوضية الأوروبية التي تستلمها المنظمة، وذلك بحجة وجود هيئة تحرير الشام في إدلب وازدياد نفوذها، والتي تعتبر منظمة إرهابية بنظر الدول الغربية، في حين أن التربية هي من تستلم الدعم التعليمي من المنظمة، وهي مستقلة بشكل تام عن الفصائل والحكومات".
ويشكو المعلمين من انخفاض الراتب مما يضطرهم للبحث عن عمل آخر من أجل الحصول على لقمة العيش وعدم تفرغهم للمدرسة؛ في حين بقي المئات من المعلمين دون وظيفة بسبب عدم استعابهم ضمن البرنامج التعليمي.
يقول المعلم حازم الفرحات لموقع حكاية ما انحكت وقد التقينا معه بشكل شخصي: "رغم قلة الأجر الشهري الذي نتقاضاه، والذي لا يتجاوز 120$ شهرياً، والذي لا يكاد يكفي لنصف الشهر، ولكن الانقطاع الصيفي أصبح يؤثر على الحالة المعيشية للمعلمين حيث أن المعلم بات يعاني من الانقطاع عن العمل وقلة الأجور".
من يشرف على التعليم في إدلب وريفها؟
الجهات الممولة
مناهج متعددة ومتغيرة
برنامج طوارئ للتعليم
المدارس المتضررة
موضحاً بأنه "في ظل عدم وجود دعم كاف لاستيعاب جميع المدرسين برواتب شهرية. ويؤثر هذا الأمر على جودة التعليم في المدارس التي يدرس فيها هؤلاء المعلمين، لأن العمل بشكل مجاني في هذه الظروف الصعبة شبه مستحيل. لذلك، فإن هذا الأمر يؤدي إلى تسرب عشرات الطلاب بسبب غياب المعلمين والتحاقهم بعمل يؤمنون به لقمة عيشهم".
مدارس مغلقة وأخرى على وشك
ومع انقطاع الدعم من قبل بعض المنظمات الداعمة للتعليم، تم إغلاق عدد من المدارس في إدلب، حيث أضحى أكثر من 7000 طالب وطالبة (وفق معلومات قدمها عبد الرحمن حمادة من مديرية التربية في حماة) مهددون بالتسرب والتشرد والجهل، بسبب انقطاع كافة أشكال الدعم عنهم وعن مدارسهم وعدم استلام المعلمين لرواتبهم في العام الماضي، وخصوصاً بعض المدارس التابعة لمديرية التربية والتعليم بريف حماة، والتي تعمل في مناطق إدلب.
ويقول الأستاذ عبد الله الضعيف (42 عام) وهو مدرس في مادة الشريعة الإسلامية ومدير مدرسة بريف إدلب ويعيش في منطقة المخيمات الحدودية وقد التقينا فيه بشكل شخصي: "أن المدرسين خلال العام الماضي وقعوا عقداً مع أحد المنظمات الداعمة للتعليم (fjd), يشمل كفالتهم لمدة 9 شهور مع أجور وكلف تشغيل المدرسة، ولكن لم يتم تسليم رواتبهم طيلة فترة التعليم، وذلك بسبب صعوبة التحويلات البنكية التي تعاني منها المنظمات الخيرية".
مضيفاً بأنه: "تم تسليم رواتب 3 شهور للمدرسين بعد عام من الدراسة وعدم تسديد رواتب 4 شهور مما أدى إلى ذهاب المعلمين للبحث عن عمل أخر، حيث بات أكثر من 300 طالب في مدرستهم مهدودون بالتسرب من مدرستهم، وخصوصاً أنهم في المرحلة الثانوية، وتعتبر هذه المرحلة حساسة للغاية وخصوصا طلاب البكالوريا الذين يعتبر انقطاعهم عن الدراسة أمراً خطيراً على مستقبلهم".
مشيراً إلى أنه: "يجب أن تتولى تركيا ملف التعليم في إدلب كما ريف حلب الشمالي من أجل تنظيمه وضبطه، وتأمين وسائل التعليم للمدارس، وذلك عبر دعم الجهات التعليمية في المناطق المحررة، في حين أن مواصلة غياب الدعم عن بعض المدارس سيعزز حالة التسرب والجهل بعد مرور 7 أعوام على طلاب لم يتلقوا خلالها سوى جزءاً قليلاً جداً من المناهج التعليمية".
ويقول الأستاذ عبد الرحمن حمادة (39 عام) من منطقة ريف حماة الشمالي وهو نائب سابق في مديرية التربية والتعليم في حماة بأن "هناك 85 مدرسة تتبع للمديرية، بينها 34 مدرسة في منطقة المخيمات، وخصوصاً منطقة أطمه، فيما تقبع 51 مدرسة في منطقة الداخل السوري في أرياف حماة وأرياف إدلب، والتي تشمل معها التجمعات التربوية.. يعانون في تربية حماة من نقص كبير في دعم التعليم، حيث يوجد أكثر من 50 مدرسة غير مدعومة، بعضها توقف عن العمل والبعض يعمل بشكل تطوعي دون رواتب، بالإضافة إلى أنه هناك مدارس توقف عليها الدعم منذ العام الماضي"..
وأضاف الحماده بأن "منظمة أف جي دي كانت تدعم 15 عشرة مدرسة تابعة لتربية حماة, بالإضافة إلى كفالة الكوادر الإدارية في التربية بكلفة تشغيلية ورواتب، ولكن هذه الدعم توقف بشكل مفاجئ عن هذه المدارس مما أدى إلى زيادة المعاناة عند المديرية والمعلمين".
من جهته، يقول حسان سعيد من منطقة حلب (36 عام) وهو مسؤول ملف التعليم في منظمة أف جي دي، والتي تعمل في ريف إدلب، وقد التقينا معه عن طريق الهاتف، ويقول لحكاية ما انحكت: "كنا ندعم 15 مدرسة تابعة لتربية حماة موزعة بين الريف الغربي والشمالي ومنطقة الغاب وبين الريف والمخيمات، بالإضافة لدعم الكادر الإداري في مديرية التربية والبالغ عددهم 25 موظف بين المديرية والمجمعات التربوية بالإضافة إلى كتلة تشغيلية للمديرية".