رغم التعميم الصادر بوقف وإغلاق جميع أنواع التجمعات البشرية، ومنها التعازي، فإن تعزية وزير الدفاع السوري اﻷسبق، العماد علي حبيب، في منطقة "صافيتا"، حتى ساعة كتابة هذه المادة، ما تزال تستقبل المعزّين من وزراء ومسؤولين في حزب البعث والحكومة ومواطنين وتقدم القهوة المرّة والشاي لهم في مبرّة القرية.
أولاد الوزير اﻷسبق هم من اﻷطباء والمهندسين الذين يفترض معرفتهم وإدراكهم التعليمات الحكومية بمنع التجمع بكافة أشكاله وخطورة مثل هذه التجمعات واحتمال تسببها بكارثة حقيقة على المحيطين. لكن على ما يبدو فإن عدم التصديق والسخرية والهزء ما تزال سمة الشارع السوري في الساحل وربما غيره في سوريا، رغم الكوراث التي من الممكن أن تحصل في البلاد في حال انتشر فيروس الكورونا المستجد (COVID-19).
وعلى ما يبدو فإن الشرطة المحلية ليس لديها السلطة الكافية لإغلاق هذه التعزية، في حين أنها تدخلت في مناطق مختلفة لمنع تعازي أخرى وتجمعات كما حدث في منطقة بانياس، فقد أغلقت عزاءاً في قرية "بستان الحمام" (ريف بانياس) قبل نهايته بيومين، في حين انبرى بعض اﻷهالي إلى إلغائها طوعياً كما فعلت عائلة الدكتور المهندس "باسم علي" وأخوته في مدينة طرطوس نفسها التي أعلنت عن تقبلها العزاء بوفاة والدتهم عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي حرصاً "على سلامة المحبين المعزين و إيمانناً بمشاعرهم الصادقة النبيلة تجاهناً والتزاماً منَّا بالقرار الأخير الصادر مساء 17 آذار 2019 ".
إلا أن استمرار تعزية وزير الدفاع اﻷسبق، ليست وحدها التي استمرت بحضور المجاميع العددية الكثيرة، فهناك غيرها من تعازٍ استمرت وتجمعات امتدت، خاصة بعد إغلاق التجمعات على اﻷفران لتظهر بعدها طوابير على مادة الخبز لدى المعتمدين، كما أن حركة الأسواق والشوارع والتجمعات تضاءلت نسبتها ولكنها لم تختلف تماماً من شوارع الساحل ومناطقه، كما مناطق سوريا اﻷخرى الذي تبدو استجابته حتى اﻵن للتعليمات الحكومية والصحية أقل من المتوقع إلى درجة "تهديد" الحكومة للناس بفرض حظر تجول إجباري في قادم الوقت في حال عدم الاستجابة للحجر الصحي الطوعي، وهو ما فعلته عشية عيد اﻷم في 21 آذار.
تكذب الحكومة السورية أو لا تكذب؟
بعد طول تلكؤ ووسط تشكيك كبير أعلنت وزارة الصحة عن أول إصابة بسبب فيروس كورونا المستجد (COVID-19). وقبل هذا الإعلان وبعده، كان التشكيك والتكذيب سيد الموقف لدى الشارع السوري وعلى منصات التواصل الاجتماعي بين مصدّق لأقوال الحكومة ومكّذب لها، ولكل فريق أدلته منها أدلته الاستنتاجية والعقلية بعيدا عن التأكيدات الرسمية.
يقول المكّذّبون أنه باعتبار أن سوريا لم تغلق حدودها مع الجوار حتى فترة كان الفيروس قد انتشر فيها في كل من لبنان والعراق واﻷردن، فهناك احتمال قوي لوجود إصابات تخفيها الحكومة ووزارة الصحة، إضافة إلى استقبال مطار دمشق الدولي عشرات الرحلات الجوية من طهران المصابة بالفيروس بكثافة وغيرها، دون إجراء فحوصات دقيقة، فإن الاحتمال يرتفع، ومن طهران وصلت آخر طائرة قبل إغلاق المطار وكان على متنها 140 راكباً عبر شركة أجنحة الشام ونُقِل جميع ركابها إلى مركز الحجر الصحي في الدوير (قرب دمشق) الذي كانت له قصة هو اﻵخر عبر نشر مجموعة صور عنه توضح الوضع المتردي فيه لجهة قدرته على القيام بوظيفة الحجر الصحي الصحيحة بغياب أية تجهيزات وبوجود ازدحام خانق فيه.
في غياب ثقة متبادلة بين الحكومة والشعب، فإن شكوكاً كثيرة انتابت اﻹعلان السوري إصابة واحدة فقط!
وفي غياب ثقة متبادلة بين الحكومة والشعب، فإن شكوكاً كثيرة انتابت اﻹعلان السوري إصابة واحدة فقط، يقول أحد الشباب المتابعين لحكاية ما انحكت بدقة: "بدأ الفيروس بالانتشار منذ حوالي شهر متسبباً بذعر عالمي، ومنظمة الصحة العالمية ترسل توصيات لكل الدول لبدء إجراءات الوقائية والتوعية، لكن ما حدث أن المؤسسات في سوريا قامت فقط بالنفي المستمر بدلاً من حملات التوعية المكثفة. ولو أن لدى الشعب ثقة بمؤسساته، ولو أن هذه المؤسسات تحترم نفسها ما كان وضع البلد على ما هو عليه"، ويتابع الشاب متسائلاً: "ما سر النعوات التي غطت الفضاء اﻷزرق وكلها نعوات لأناس ماتوا هذا الشهر بـ "التهاب رئوي"؟ (لكن ورداً على هذا الحديث لا يتم ذكر أسباب الوفيات بهذا الشكل على النعوات أبداً)، المنطق يقول أن إيران التي خرج منها مئات الأشخاص المصابين بالفيروس إلى كل دول الخليج والسعودية ولبنان وسوريا، دون القول بالتأكيد أنها نظرية المؤامرة الشهيرة لدى الكل، ولكن لنفترض أن اﻷمر جهل بانتشار الفيروس وعدم وجود كودات التحليل إلا مؤخراً، إلا أن المؤسسات السورية لم تقم بإجراء احترازي كوضعهم في الحجر الصحي قبل إعطائهم حرية التحرك بالبلد بين المدنيين وفي الأسواق".
إلا أن هذا الكلام ترد عليه طبيبة اختصاصية في اﻷمراض التنفسية هي الدكتورة "ليلى العلي/ اسم مستعار"، التي تؤيد فكرة أنه لا يوجد إصابات فتقول: "من المهم معرفة أن الالتهاب الرئوي ذو أنواع كثيرة، وكل عام يصاب فيه في فصل الشتاء مئات اﻷشخاص، منهم من يتماثل للشفاء ومنهم من يموت، ويختلف العدد تبعاً للسجل المرضي لكل شخص، وعمره، وضغط دمه ومعالجاته السابقة، إضافة إلى اختلاف الزمر النسيجية والدموية وطرق الغذاء وأمور أخرى كثيرة، والكورونا أحد أنواع الالتهاب الرئوي له وحده سبعة أنواع منها نوعين اثنين خطيرين والجائحة الرئيسية موجودة في المنطقة منذ العام 2012، وحالياً هناك أجهزة خاصة في مخبر الوزارة المركزي زودتها بها منظمة الصحة العالمية، وعند وفاة أي شخص بالالتهاب الرئوي، فإنه يلف بالنايلون أو بأي وسيلة تمنع انتقال العدوى إلى الجوار أثناء الحمل والنقل، ولكن مصابي الكورونا عند وفاتهم يجب إما حرق جثثهم أو وضعها في توابيت مصنوعة من الرصاص المانع لانتقال العدوى، وعدم وجود مشيعين، وفوق ذلك على المرافقين ارتداء الملابس الواقية من التلامس مع المريض أو التابوت الرصاصي منعاً لانتشار العدوى، وهذا ما لا يعرفه العامة، وحسب مراقبتي ومعرفتي فإن أحداً لم تقم له هذه اﻹجراءات في كل سوريا، وبالتأكيد ليس من مصلحة الوزارة او الحكومة أو الدولة ككل أن تدفن شخصاً مصاباً بالكورونا وتحوّل مكان دفنه إلى مركز للوباء".
كثيرٌ من الكلام تناقله الشارع السوري أن هناك إصابات بالكورونا تخفيها الحكومة ﻷسباب غير معروفة
كثيرٌ من الكلام تناقله الشارع السوري أن هناك إصابات بالكورونا تخفيها الحكومة ﻷسباب غير معروفة، واحد منها أن مشفى اﻷطفال في اللاذقية أخفى وفاة خمسة عشر طفلاً دفعة واحدة بالكورونا دون أن يتوفر أي توثيق لهذا الكلام بما في ذلك النعوات عبر مختلف أنحاء المدينة، وهو ما نفاه مدير الهيئة العامة لمشفى التوليد والأطفال باللاذقية "أحمد الفرا" موضحاً أن وفاة 3 أطفال في المدينة في مدة أسبوع بسبب إصابتهم بـ "ذات رئة استنشاقية" و"داء قلبي خلقي أدى إلى قصور قلبي شديد وإنتان دم مع توضع رئوي وليس بفيروس الكورونا" موضحاً أيضاً أنه يتم تطبيق الإجراءات الصحية المشددة على الحالات الإنتانية جميعها وأي حالة تحمل أعراض الإنفلونزا تعزل عن بقية المرضى وترسل مسحة لها للمخبر الوزاري كإجراء احترازي".
سُخرية لا تُحتمل خفتها
في الشارع السوري، وفي الساحل تحديداً، ما زال موضوع الفيروس محط سخرية من الناس، يميل كثيرون منهم إلى عدم تصديق ما يجري حولهم في العالم، يقول لحكاية ما انحكت، "أبو أحمد/ اسم مستعار" (47 عاماً) صاحب محل لبيع اللحوم في شارع "العنابة" في اللاذقية: "ذكروني بوقت أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير، والسارس وغيره من اﻷسماء التي لم نر من أفعالها شيئاً، القصة لعبة سياسية بين الصين وأميركا، الصين كانت تريد شراء أسهم شركات أميركا وقد نجحت"، ويختم صاحب المحل بقوله: "يا عمي، شيلنا من هي الكذبة، حرب بيولوجية، بدنا نعيش طبيعي"، ولما سألناه عن معنى "حرب بيولوجية" اختصر جوابه بالقول: "جراثيم عمي جراثيم".
وقياساً على صاحب المحل السابق، فإن كثيرين لم يتخذوا إجراءات حماية ﻷنفسهم قبل اﻵخرين، خاصة الذين على احتكاك مباشر بعمليات البيع والشراء والتبضع، ولم تتخذ سوى قلة قليلة من المحلات إجراءات خاصة بها مثل لبس كفوف أو كمامات أو تنظيف المحلات باستخدام مواد معقمة، عدا عن الازدحام الشديد الذي تشهده باصات وسرافيس النقل من وإلى المدينة وضمنها بما فيها باصات النقل الداخلي.
ورغم إيقاف الدوام في دوائر الدولة تقريباً، بواقع دوام بحدود 40% من إجمالي الموظفين، إلا أن وسائل النقل الداخلي ما تزال تشهد ازدحاماً، وقد قامت الشركة المذكورة بجولات تعقيم باصاتها كل يوم وعلى دفعتين صباحية ومسائية، وهو ما جعل بعض الناس تسخر من اﻷمر وتقول: "كتر خير الكورونا التي جعلتهم ينظفون الباصات". ويعلق مواطن يسمع الحديث: "شعب بدو الله".
بقي الوضع هكذا حتى إلى ما بعد قرار الحكومة إغلاق المدارس والجامعات وغيرها من أماكن التجمعات والبدء بحملات تعقيم للمشافي والمدارس والشوارع، وهو ما ساهم في تخفيف نبرة السخرية والانتقال إلى التقليل من التجمعات ما أمكن وأخذ الاحتياطات ومن ثم الاتجاه إلى شراء المواد الغذائية وتخزين ما أمكن منها وهو ما تسبب في اشتعال اﻷسعار بشكل كبير.
"الشعب الجاهل" والحجر الصحي
وﻷن الاستجابة العمومية لموضوع الحجر الصحي كانت بهذه الخفة، فقد أصدرت الحكومة تعميماً في يوم عيد اﻷم يقضي بإغلاق الأسواق والأنشطة التجارية والخدمية والثقافية والاجتماعية مع تعميم آخر بتعليق العمل في الوزارات والجهات التابعة لها بدءاً من يوم الأحد وحتى إشعار آخر، مع التأكيد أن ذلك لا يشمل المنشآت الإنتاجية، وسيضيف هذا اﻹجراء مزيداً من الحماية على الناس ولكنه بالمقابل يتجاهل قطاعاً واسعاً من الناس الذين يعتاشون على العمل اليومي، وهو ما لم تلحظه الحكومة.
كثير من السكان لم يتخذوا إجراءات حماية ﻷنفسهم قبل اﻵخرين، خاصة الذين على احتكاك مباشر بعمليات البيع والشراء والتبضع
يشارع المهندس "رجاء محمد/ اسم مستعار" (54 عاماً) صاحب مكتب هندسي في منطقة الشيخ ضاهر قلب اللاذقية التجاري في قوله لحكاية ما انحكت أن "الغاية من الحظر العام هي تفادي الإصابة بالفيروس والوفيات التي يمكن أن تحصل بسببه، هذا أمر جيد، لكن منع قطاع كبير من القوى العاملة عن العمل مدة الحظر بالنسبة للقاعدة الشعبية، هو صيغة أخرى للحكم على عوائلهم بالموت! لن ينفذوه مهما حصل. السؤال الآن الذي يتم التهرب من طرحه: لماذا تتأخر الحكومة، ليس في تطبيق الحظر، وإنما في توفير الشروط التي تجعله قابلاً فعلاً للتطبيق وتضمن فعلاً تحقيق الهدف منه؟".
ويقترح المهندس جملة إجراءات سريعة تشبه في بعضها ما فعلته مصر ودول أخرى مثل اليونان، ومنها كما يقول: "إسقاط فواتير الماء والكهرباء وخلافه عن كاهل الطبقات الشعبية عن الشهر الجاري، وتخصيص مبلغ إعاشة منطقي للأسر أثناء الحظر، وتوزيع وسائل النظافة والوقاية بالمجان عبر منافذ حكومية".
وفي تعليق له على صفحته على منصة التواصل الاجتماعي يعلّق صحفي سوري على من "يلقون اللوم على "الشعب الجاهل والقطيعي" بأن "الشعب واعي ومقدًر تماماً فداحة الخطب والخطر، لكن فيروسات الإفقار والجوع والحاجة كانت قد سبقت "كورونا" بزمان، فباتت مناعة "الشعب الجاهل" في مواجهة الفيروس المستجد صفراً، باختصار: لا يحق لأحد أن يلوم شعباً يجد نفسه "مخيراً" بين الموت بالفيروس أو الموت جوعاً، لم تتركوا له أي خيارات أخرى".
ارتفاع أسعار جنوني
لم تحتج اﻷسواق كثيراً من الوقت بعد قرار الحكومة السورية إغلاق المجال العام، حتى عاد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى الواجهة محطماً اﻷرقام القياسية هذه المرة، مع فقدان طفيف لبعض أنواع المعقمات ومواد التنظيف، واتجاه الناس إلى تموين بمختلف أنواع السلع التي يمكن تأمينها والمحافظة عليها وسط انخفاض في ساعات التقنين الكهربائي فأصبحت 12 ساعة بدلاً عن 16 يومياً.
يقول "محمد .ب" لحكاية ما انحكت، وهو تاجر جملة في منطقة المشروع السابع: "تدفق الناس في نفس يوم قرار الحكومة إلى المحل لشراء المنظفات والمواد التموينية مثل الأرز والسكر والبرغل رغم ارتفاع أسعارها المفاجئ، فقد قفز كيلو السكر الحر من 525 إلى 600 والرز من 625 إلى 800 والمنظفات نفسها لحقها ارتفاع من الشركات الموردة لنا مما اضطرنا إلى رفع أسعارها كذلك".
وبالمثل فإن مادة الكحول الطبي التي كانت تباع بحوالي ألف ليرة (1 دولار) للتر الواحد أصبح سعرها فجأة خمسة آلاف ليرة (5 دولار)، والعلبة الصغيرة سعة 20 مل أصبحت اﻵن 500 ل.س (نصف دولار) بعد أن كانت 50 ل.س (5 سنت) ومع استنزاف مخزون المدينة الموجود في الصيدليات، كما يقول الصيدلاني "عمار" صاحب صيدلية في مدينة اللاذقية لحكاية ما انحكت: "اتجه الناس إلى بدائل تحتوي كحولاً مثل خل التفاح اﻷبيض الذي أصبح سعره فجأة حوالي 850 ليرة للتر، وفي حال عدم توفره اتجهوا إلى الخل اﻷحمر أو البني أو مركزاته، وهذه اﻷخرى ارتفع سعرها بنسبة 25% على اﻷقل".
على أن اﻷكثر ارتفاعاً في السعر كانت الكمامات الطبية بأنواعها، يقول "عمار": "كانت العلبة التي تحتوي عشر كمامات طبية مصنوعة محلياً، أي تحوي وجهين أحدهما من السليلوز الطبيعي ومعقمة، بحوالي 1200 ليرة تضاعف سعرها إلى ثلاثة آلاف، أما الكمامة السويسرية أو الأوروبية فقد وصل سعر القطعة الواحدة إلى 5-7 آلاف (5-7 دولار). وفي سوق الجملة التي دخلها كثيرون بغاية البيع والاحتكار دون وجود أية رقابة أو متابعة حكومية صحية وتجارية ارتفع السعر كل يوم مائة ليرة من 80 ل.س إلى 350 ليرة وتباع بالصيدليات بين 600-700 ليرة".
هل هناك إمكانيات محلية لمواجهة الكورونا؟
بعد عشر سنوات من الحرب المحتدمة تأذّى القطاع الصحي في مختلف أنحاء البلاد إلى درجة كبيرة خرجت فيها عشرات المراكز الصحية من الخدمة، كما حدث تناقص كبير في كمية اﻷدوية المتوافرة واﻷجهزة الطبية، إضافة إلى العقوبات الأميركية على البلاد التي تسببت بنقص في كثير من المقومات الطبية، ومن جانب دولي، فإن النظام الصحي السوري الحالي يصنف في المرتبة الثانية من أصل خمس مراتب، تعبّر فيها المرتبة الخامسة عن النظام الأكثر جاهزية، وهو ما يدل على القدرة المحدودة إلى المتوسطة في الاستجابة والتأهب، وذلك وفقاً للتقرير السنوي للوائح الصحية الدولية International Health Regulations annual report 2019. وهذا يفسر في أحد جوانبه اﻹسراع بفرض الحجر الصحي ثم فرض حظر التجول باستثناء بعض المصالح اللازمة لاستمرار الحياة.
النظام الصحي السوري الحالي يصنف في المرتبة الثانية من أصل خمس مراتب، تعبّر فيها المرتبة الخامسة عن النظام الأكثر جاهزية، وهو ما يدل على القدرة المحدودة إلى المتوسطة في الاستجابة والتأهب
ليظهر السؤال الملّح: هل لدى البلاد القدرة على مواجهة جائحة كهذه بقدراتها الراهنة؟ تقول طبيبة طلبت عدم ذكر اسمها من مشفى تشرين الجامعي: "إذا ثبتت حالة واحدة، وانتشر الوباء، فإن القدرة الممكنة لمواجهته هي في حدها الأدنى، ليس لدينا مثلاً كمية كافية من السيتامول والسيرومات التي هي علاجات عرضية، أما ساعات الأوكسجين اللازمة للمرضى في إصابات الكورونا فلا تكفي سوى عدد محدود جداً، أما مادة "التي فلو " (تستخدم في حالات اﻷنفلونزا) فهي مقطوعة منذ سنوات، وليس لدينا منافِس تكفي لمن يدخلون في قصور تنفسي حاد".
تضيف الطبيبة: "إذا أصيب مئة شخص في مدينة مثل اللاذقية، وأحضروا إلى المشافي، ليس لدينا قدرة استيعاب وسوف يتم اللجوء إلى ما يسمى "طب الحروب" حيث يتم اختيار اﻷشخاص المصابين اﻷصغر سناً، هذا هو السبب الذي جعل الحكومة تستعجل فرض الحجر الصحي ومن ثم حظر التجوال وإيقاف الدوام والتجمعات كي لا يتكرر ما حدث في إيطاليا وغيرها، وإصابة واحدة تستطيع الانتقال إلى أكثر من أربعة أشخاص في وقت قصير، وتتصاعد المتتالية بشكل أسّي، أي 4 تصيب 16 و16 تصيب 32 وهكذا".
مشافي الساحل عموماً استنفرت في كل قطاعاتها وأجرت تعقيمات للمشافي والأجنحة الطبية كما أخرجت ما لديها من معدات إلا أن هناك نقص في اللباس الوقائي للأطباء، وأحياناً تغيب الكمامات، وتشير الطبيبة إلى أنه إن "مرض أو أصيب أي من الطواقم الطبية فإن الهلاك قادم لامحالة".
ماذا عن أجهزة كشف الفيروس؟
منظمة الصحة العالمية لها ممثل مقيم في دمشق، وقد أشارت إلى خلو البلاد من اﻹصابات استناداً إلى تقارير وزارة الصحة السورية، كما أنها قدمت عدداً من اﻷجهزة (مثل كاميرا حرارية ركبت في مطار دمشق الدولي) للكشف المبكر عن الفيروس استخدمت في المنافذ الحدودية، تقول الطبيبة السابقة أن هناك عدد من المشتبه بإصابتهم بالفيروس أرسلت تحاليلهم التنفسية إلى دمشق حيث المخبر المركزي للوزارة وجاءت النتائج سلبية أي خالية من اﻹصابة بالفيروس "ولا ندري إلى متى سوف يستمر ذلك".
"ارتفاع درجة الحرارة مترافقاً مع السعال الجاف والسيلان الأنفي والآلام العضلية والمفصلية والصداع، هي المؤشرات اﻷساسية في توجيه الشخص إلى إجراء فحص الكورونا، يسبقه حجر صحي لمدة أسبوعين للتأكد من عدم تغير تلك اﻷعراض"، تضيف الطبيبة: "يتطلب إثبات اﻹصابة بكورونا المستجد إجراء تحليل مخبري يسمّى PCR وهذا التحليل يحتاج فنياً إلى جهاز وكيتات (الشواهد المعيارية وتسمى "الكيتات" لإجراء تحاليل حالات يشتبه بإصابتها بفيروس كورونا إضافة لمهامه في الكشف عن حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية وإنفلونزا الخنازير وغيرها)، ومع توفر التحليل في غالبية المشافي في الساحل إلا أن الكيتات الخاصة متوافرة فقط في مخبر مديرية الصحة العامة في الوزارة".
ونظراً لتفشي الوباء في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وانتشاره السريع، وخاصة في الدول المجاورة لسوريا، إضافة إلى عوامل أخرى كأعداد اللاجئين الكبيرة، والمهجرين داخلياً، و"قوة" النظام الصحي السوري الذي كما أسلفنا يقع في الدرجة الثانية من خمسة، وبناءً عليه قيّمت منظمة الصحة العالمية (ومعها أوتشا) مستوى الخطر في سورية بأنه "مرتفع جداً".
ولمواجهة هذا التهديد الكبير، قدمت منظمة الصحة العالمية وسائل الدعم والمساعدة لوزارة الصحة السورية لرفد قدرتها وجاهزيتها على التصدي لهذا الوباء، عن طريق تأمين معدات الكشف والمراقبة، وتدريب الكوادر الصحية في عدة محافظات، إضافة إلى عقد ورشات العمل الهادفة لتعزيز الوعي، وفهم مخاطر هذا الوباء، إضافة إلى المعدات اللازمة للكشف عن فيروس كورونا المستجد، مع حملات التدريب المخبري؛ إذ أصبح بالإمكان إجراء ما يصل إلى 200 فحص للكشف عن الفيروس يومياً.
وأوضح مدير المخابر في وزارة الصحة الدكتور "شبل خوري" في تصريحات صحفية أن "الحالات التي لديها ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة تنفس مجهولة السبب تتطلب دخول مشفى وتجرى لها التحاليل المخصصة بفيروس الإنفلونزا الموسمية أولاً وفي حال كانت النتيجة سلبية تجرى التحاليل المتعلقة بفيروس كورونا"، وكشف أن المخبر أجرى منذ بداية شباط حتى نهايته تحاليل لـ 150 عينة أظهرت إصابة بفيروس الإنفلونزا الموسمية و4 عينات اشتباه بفيروس كورونا وكانت نتائجها سلبية.
وأكد الطبيب أن "المخبر المرجعي يستقبل العينات للحالات المشتبه بها من المشافي والمراكز الصحية في مختلف المحافظات طيلة أيام الأسبوع"، موضحاً أن "نتيجة التحليل تظهر بعد خمس ساعات". مع العلم أن مخبر الوزارة هو مخبر مرجعي معتمد من المخابر الدولية لتشخيص فيروس كورونا وأسهم تجهيزه بتوفير الوقت والجهد، حيث كان يتطلب إرسال العينة سابقاً في حال الاشتباه بأي إصابة إلى أقرب مخبر مرجعي بدول الإقليم.
مسألة أمن قومي ...وخوف انهيار المنظومات الصحية
كان السؤال اﻷساسي الذي غطّى البلاد: إنْ كانَ هناك إصابات فلماذا تمتنع الحكومة السورية عن اﻹعلان عنها؟ وهل من الصحيح أنه رغم توافد مئات اﻹيرانيين وغيرهم من مناطق مصابة إلى سوريا لا توجد إلا إصابة واحدة تم الإعلان عنها؟ إلى درجة أن بعض الساخرين من السوريين قالوا أن اﻷجهزة اﻷمنية تعتقل كل مصاب وترديه قتيلاً أو تخفيه، وهو ما جرى تناقله بشأن الطبيب "عماد اسماعيل" رئيس قسم اﻷشعة في مشفى القرداحة الذي وجد مقتولاً في سيارته، ونقلت صفحات متعددة منها صفحات معارضة، أنه اغتيل بسبب تصريحات له عن الكورونا يشير فيها إلى وجود عدة حالات في مشافي اللاذقية، إلا أن الطبيب المذكور تحديداً، لم يدل بأي تصريح لوسيلة إعلامية، لا رسمية ولا إلكترونية، وليس من أصحاب الشأن العام، وهو ما يوضح التخبط الذي يعيشه السوريون بشأن الوباء وعدم الثقة بالكلام الحكومي حتى اللحظة.
إلا أن تناول المسألة بهذا الشكل أمر غير دقيق كما يقول الطبيب "أمجد" (45 عاماً)، والسبب برأيه أن "الصليب الأحمر وبعثات المنظمات الدولية الإغاثية موجودة في غالبية المناطق بسبب الحرب، يعني هذا أننا لو أردنا إخفاء اﻹصابات فهناك من يراقبنا"، وهو ما أعاد نقله عدد من اﻷطباء والناشطين عبر البلاد، ويوضح الطبيب إن "سوريا سوف تعلن عن اﻹصابات في حال وجودها ﻷن المسألة لا ترتبط بالفيروس فقط، بل إن هناك مسألة أمن قومي عليا في المسألة"، موضحاً: "القطاع الصحي السوري قبل الحرب كانت له مصداقيته الدولية ولن يجازف بفقدانها، عدا عن أن المصلحة الوطنية تقتضي ألا تكون البلد خارج السرب العالمي في اﻷمر، وخاصة أن منظمة الصحة العالمية قدمت عدداً من الأجهزة (الكيتات) للكشف عن الفيروس، بالطبع يجرى التحليل في كل دول العالم في المراكز الحكومية لضبط الحالات، وبشكل غير رسمي يوجد كذلك، وهو مدفوع اﻷجر (حوالي 70 دولار) من قبل الصحة العالمية".
رجاء وصلاة وحظر تجول
يأمل السوريون المقيمون في مختلف المناطق ألا تكون الحكومة السورية كاذبة بشأن الفيروس، وليس لديهم في ذلك مصدر موثوق مئة بالمئة سوى التيقن أن وزارة الصحة ومخابرها تتكلم كلام ثقة وليس تغطية للحال الذي قد يكون أسوأ بعشرات المرات إن انفجر وفقاً لتقييمات الصحة العالمية التي تتابع عن كثب الوضع في الداخل السوري، وأمام الخوف الكبير الذي يلف العالم، لم يبق سوى الرجاء بأن تمضي هذه الجائحة مع مطلع الأشهر القادمة بإيجاد لقاح عالمي له.