منصف أم مُجحف؟

قرار بمنع عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا


"فقدت زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش". هذا ما تقوله خديجة التي أعفيت من عملها كـ مضيفة ضمن إحدى مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وذلك بعد قرار من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تدير المنطقة يمنع النساء من العمل كمضيفات في المطاعم. فما أسباب هذا القرار ودوافعه؟ وها هي البدائل المتاحة للنساء اللواتي فقدن عملهن؟

23 أيار 2020

هوشنك حسن

صحفي كردي سوري، مقيم في القامشلي، شمالي سوريا. يعمل منذ 7 أعوام في الإعلام المرئي والمكتوب. حاصل على جائزة أفضل صحفي في شمال شرق سوريا للعام 2019، عن فئة التقارير المصورة من قبل اتحاد الإعلام الحر.

(هذه المادة بتنشر بالتعاون والشراكة بين حكاية ما انحكت ومؤسسة شبكة الصحفيات السوريات)

(الحسكة)،"فقدت زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش".

هذا ما تقوله لحكاية ما انحكت خديجة التي أعفيت قبل أيام من عملها كـ مضيفة ضمن إحدى مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وذلك بعد قرار من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تدير المنطقة.

وكانت هيئة المرأة التابعة للإدارة قد أصدرت تعميماً في 18 شباط/ فبراير الفائت، منعت فيه تشغيل "المضيفات في كافة المواقع والمنشآت السياحية".

ويبدو التعميم مختلفاً ومتناقضاً مع ما صادق عليه المجلس التشريعي التابع للإدارة الذاتية في الثاني والعشرون من أكتوبر للعام 2014 وهو قانون المرأة، حيث تنص المادة رقم /2/ من المبادئ الأساسية للقانون على "المساواة بين المرأة والرجل في كافة مجالات الحياة"، كذلك تنص المادة رقم /8/ على "المساواة بين الرجل والمرأة في حق العمل والأجر".

لا استسلام أمام كورنا.. الصراع من أجل لقمة الخبز

07 أيار 2020
حكاية تروي تفاصيل كفاح ونضال منيرة يوسف من مدينة القامشلي مع الحياة وصعوباتها في بلد الحرب منذ أعوام. هذه الحرب التي دمرت الكثير، ومنها إرادات الناس قبل أن تحطم حيواتهم....

رئيسة هيئة المرأة، زينب صاروخان، ذكرت في تصريح خاص لحكاية ما انحكت، أنّ القرار "خطوة استباقية لتنظيم عمل المرأة وأتُخذ بعد تسجيل العديد من الحالات اللاأخلاقية" بحسب قولها.

خديجة حسين فقدت عملها نتيجة القرار، وكانت قد فقدت زوجها قبل 7 أعوام نتيجة رصاصة "طائشة" عندما كان يعمل في مدينة حمص، وهي المعيلة الوحيدة لابنها الذي لم يرى والده قط.

وعن حاجتها إلى العمل، تقول السيدة العشرينية لحكاية ما انحكت "في هذه الأيام الأخ لا يساعد أخته، لذلك هناك الكثير من النساء، ومن بينهم أنا ممن نحتاج إلى العمل"، وكانت خديجة تحصل على راتب قدره 80 ألف ليرة سورية أي ما يعادل حوالي 75 دولار أمريكي.

كما خديجة تعمل ليلى (اسم مستعار) كـ مضيفة ضمن إحدى الكافتيريات في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا. ليلى هي المعيلة الوحيدة لعائلتها بُعيد زواج شقيقاتها الأخريات، وتؤمن قوت عائلتها براتب يبلغ 60 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 56 دولاراً أميركياً.

تقول ليلى لحكاية ما انحكت "تحديتُ العادات والتقاليد التي تنبذ عمل النساء وأعمل هنا لتدبر أمور والداي، لكن هذا القرار يهدّد رزقنا". تحدثنا ومن ثم تتجه لتسجيل طلب زبائن يجلسون في نهاية الكافتيريا، حيث لا تزال ليلى تعمل إلى الوقت الراهن، رغم صدور القرار منذ مدة.

(لوحة للفنانة رندا مداح/ واللوحة تستخدم بإذن خاص من الفنانة)

وتعلق الناشطة النسوية، ناز حمي، على القرار بقولها "القرار خاطئ وله أضرار على المرأة أكثر من الفوائد حيث لابد من محاسبة المتحرشين ووضع ضوابط وتوفير بيئة سليمة تمكّن المرأة من العمل". وتطالب حمي الإدارة الذاتية، بأخذ وضع المرأة بعين الاعتبار ضمن قانون العاملين، وأن يكون حامياً لهن.

"جميلات روج آفا"… في مواجهة كوفيد 19

16 أيار 2020
تجربة النساء في مجموعة "جميلات روج آفا" أثبتت قدرة المرأة على المبادرة والتكاتف وتقديم يد العون والتنظيم وقيادة مجتمع مليء بالتحديات؛ تجربة هي الأولى من نوعها في المنطقة. ورغم النواقص...

وحول السبب الرئيسي للقرار تشرح صاروخان "وردتنا العديد من البلاغات عن حالات تحرش واستغلال للنساء العاملات كـ مضيفات". لكن هيئة المرأة التي تديرها صاروخان نفسها لا تملك إحصائيات حول عدد النساء اللواتي تعرضن للتحرش أو العدد الكلي للنساء العاملات كـ مضيفات.

وحول القرار، يقول أبوديار (كما يعرف نفسه)، والذي يملك مطعماً في الحسكة، بأن القرار مجحف بحق النساء كونه يمنعهن من العمل. واضطر أبوديار كما يقول لحكاية ما انحكت، لإعفاء إحدى مضيفات مطعمه بعد صدور القرار، ويضيف "كانت قد اكتسبت خبرة العمل ضمن صالة المطعم، وباتت من أحد وجوهه، لكن سأضطر الآن لتوظيف شاب بدلاً منها".

ويطالب السيد الذي اضطر هو الآخر للجلوس في منزله حالياً نتيجة حظر التجول المفروض، التراجع عن هذا القرار كونه غير منصف، وينفي حصول أي حالات تحرّش ضمن مطعمه.

ديوان العدالة الاجتماعية التابع للإدارة الذاتية سجل 11 حالة تحرش ضمن العام 2019، لكن هذا العدد هو للنساء اللواتي رفعن دعاوي فيما هنالك الكثير منهن ممن لا يقمن بذلك، بحسب إدارية في الديوان تحدثت إليها حكاية ما انحكت، ولم تود الإفصاح عن اسمها.

لا تخفي كلّ من خديجة وليلى تعرّضهن للتحرش اللفظي، وتؤكدان حدوث الأمر مرّات عديدة، لكنهن وفي سبيل عدم فقدان عملهن لم يخبرن مالكي المطعم بذلك، وتشير خديجة إلى أنّ رقم جوالها طُلب منها لأكثر من مرة، وتقول ليلى "لم أكن أبدي للأمر أية أهمية كوني كنت أركز على عملي فقط".

(لوحة للفنانة كفاح علي ديب، واللوحة تستخدم بإذن خاص من الفنانة)

وتطالب المتحدثة باسم "منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة"، نجاح أمين، بمحاسبة المتحرشين وتوفير فرص عمل من قبل الإدارة الذاتية لهؤلاء النساء، وكذلك مراقبة أعمالهن كي لا يتم استغلالهن، بحسب قولها لحكاية ما انحكت. وتضيف أن القرار من ِشأنه أن يقلل من حالات التحرش الحاصلة، وسد الطريق أمام حصول حالات جديدة.

أفين يوسف... ليس للأحلام أبوابٌ موصدة

12 أيار 2020
الظلم الذي تعرّضت له الصحفية أفين يوسف لم يمنعها من الإصرار على شق طريقها في الحياة، لتكون نموذجاً كُردياً للمرأة الصحافية العاملة في شمال وشرق سوريا، فرغم كل الصعوبات نجحت...

خديجة القلقة بشأن العشرين ألف التي لابد لها أن تدفعها نهاية كل شهر لمالك المنزل الذي تستأجره تطالب الإدارة بتوفير فرص العمل إذا ما كانت قد منعتهم من العمل كـ مضيفات، وكذلك ليلى تطالب بعمل براتب أفضل وحل لمشكلة مئات النساء.

وفي هذا الخصوص تقول رئيسة هيئة المرأة أنهم بصدد تنفيذ العديد من المشاريع التي من شأنها أن تتيح فرص العمل لآلاف النساء، وهذه المشاريع تتضمن مشاغل للخياطة ودار للأيتام ومداجن وفرن للخبز، ما سيتيح فرص عمل لآلاف النساء، بحسب وصفها، لكنها لم تشر إلى موعد إطلاق تلك المشاريع.

بعد انتهاء فترة دوامها، تتهيأ ليلى للعودة إلى المنزل بتغيير ثياب العمل، وتفكر "بعد إعفائي من العمل هنا، هل سأضطر للعمل من دون ثياب؟"، وتمضي في طريقها إلى والديها اللذين لا يملكان غيرها.

مقالات متعلقة

كورونا أم اللاجئون.. أيهما أخطر؟

18 آذار 2020
العزلة أمر صعب للغاية، فنحن كبشر نحتاج إلى بعضنا البعض أكثر مما كنا نتصور. وبناء على هذه الفكرة لا يمكننا فصل مشكلة الكورونا عن مشكلة اللاجئين العالقين اليوم على الحدود...
الكورونا في الساحل السوري

23 آذار 2020
ما هي حقيقة كورونا في سوريا؟ هل يخفي النظام الإصابات حقا؟ ولم؟ وحتى لو أراد إخفائها فهل يسطيع؟ وما حال المشافي السورية اليوم؟ هل هي مجهزة وقادرة على التعامل مع...
الترويج لثقافة العنف ضد النساء بالفكاهة

24 تموز 2020
كان من الملاحظ خلال فترة الحجر تزايد انتشار عدد من التعليقات "البوستات"، التي تحمل طابعاً تمييزياً ضد النساء، وتسخر منهن ومن صفاتهنّ وخصائصهن الجنسية والجسدية، ومن الأعمال المنزلية التي يقوم...
سوريا وأسئلة كورونا

28 آذار 2020
نتأمل تداعيات هذا الزلزال الكبير الذي ضرب مركبنا الأرضي ككل، لتتوحد البشرية للمرة الأولى، ربما في تاريخها كله، حول عدو واحد. ومع ذلك، لن نعدم أن نجد من يسعى لاستغلال...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد