(هذا المقال جزء من سلسلة مقالات عن التصوير السوري والمصورين السوريين. بتمويل من مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية)
ملاحظة: المقاطع الملحقة والموضوعة بين مزدوجين " " بلون أخضر، هي جزء من رواية بدأ محمد عبد الله كتابتها خلال الحصار.
عندما كنت صغيراً، كنت أقرأ في الروايات وأشاهد في الأفلام العديد من الشخصيات التي تكتب مذكراتها وتحتفظ بها لسنوات. لم أكن أتخيّل أن يأتي اليوم الذي أكتب فيه مذكراتي وأنقل بلهجتي العامية أحاسيسي، آلامي، حزني وفرحي. أن أكتب لتصبح الكتابة نديمي الذي يقص رواياته عن كل صورة التقطتها وألتقطها.
"استيقظت سارة ومازالت الدموع تبلل وسادتها. أزاحت رأسها عن حضن أمها. الليلة الماضية كانت عصيبة عليهم. كانوا نائمين في هذه الساعة المتأخرة وإذ بأصوات كثيرة ما لبثت أن اشتدت. حرائق ملأت منازل القرية الهادئة وتعالت الصرخات مستنجدة. في البعيد تراءت خيالات أشباح أشكالهم مرعبة، كأنهم هاربون من الموت نفسه".
خيمة أم وطن؟
في الصورة غروب الشمس، ثلج وجو ريفي هادئ. قد تعجب بألوانها التي تكاد تكون مثالية! لكن الحقيقة ليست كما تراها.
عندما التقطت هذه الصورة أردت أن أوصل الحقيقة: ما يقع خلف هذا المنظر، حقيقة الألم والبرد، حقيقة أنها مجرّد (خيمة) مجمّعة من بعض قطع الخشب، الصفيح والقماش، موضوعة لتبدو للعين المجرّدة لقطة مثالية، خيمة عائلة هاربة من جحيم الأسد. بنوا لأنفسهم وطناً وسموه خيمة.
"اقتحموا البلدة الهادئة في منتصف تلك الليلة. هربت سارة مع أبيها وأمها وأخواتها الخمسة من منزلهم تحت عتمة الليل. أصوات فوارغ الأسلحة تتهاوى في كل مكان. لم تكن تعلم في هذه اللحظة من الخوف والمجهول أنها ستفقد أهم شخص في حياتها".
فزعة وثلج وعالم يحب أن يرى الواقع مقلوبا!
في لبنان حاولت بأن أخصّص وقتاً للتطوع. تعرفت فيه على فريق "عيون سورية"، الفريق الذي رأيت فيه القوة والأمل والحب. تعلّمت منهم الكثير وأصبحت جزءا من عائلتهم الصغيرة. في كل مرة نذهب إلى المخيم نشعر بأننا في زيارة أهلنا لمد يد العون، أو كما نقولها بلهجتنا العامية "رايحين فزعة". هذه "الفزعات" أمدتنا بأصدقاء وأهل في غربتنا الموحشة.
فصل الشتاء كان من أصعب الأوقات التي كانت تمرّ على أهلنا في المخيمات. كثافة الثلج التي تصل المترين أحياناً، ولمدة أسابيع، تزيد من مأساتهم اليومية. برد شديد، طرق طينية زلقة، ثقل الثلج قد يهدم خيمة ضعيفة البناء. بقاء الثلج عالقاً يعني توقف الحياة في المخيم.
التقطت هذه الصورة لهذا الشاب ذو الابتسامة التي لم تفارق وجهه منذ تعرفت عليه. كنت كلّما مررت من أمام خيمته أجده جالساً وأمامه هذه الكرتونة يبيع قطع البسكويت ليساعد والدته في دفع إيجار الخيمة. حياته وحياتنا جميعاً كهذه الصورة، الجميع قد يرى الصورة الكبيرة للمرأة التي خلفه قبل أن يدرك أن هناك ما هو أوضح. كان شعوري في تلك اللحظة كما الصورة: العالم كله يعيش منفصلاً عن الواقع، فضّل أن يرى الواقع مقلوباً على أن يواجهه.
"دخلت سارا الى أحد الصفوف، كان كما لم تتخيله. أخذت تتفقد كل زواياه على الرغم من الظلمة الشديدة. لحظات من الدهشة لرؤية هذا العالم الجديد انتهت بصاعقة من الأحداث الأخيرة (أصوات قصف، رصاص، صراخ، حرائق، جميعنا نركض من منزلنا باتجاه البستان، أبي يصرخ، شاحنة ومجهول). تقف في الصف الذي طالما حلمت به ولكن ليس لهذا الحلم أن يتحقق اليوم".
حلم العودة إلى المنزل!
مع بداية عام 2013، تمكنت من العودة إلى الغوطة الشرقية، استغرقت رحلتي حوالي الثلاثة أسابيع، قضيتها مشياً بين جبال لبنان الثلجية تارة وبين الاختباء داخل سيارة أحد المهربين وعبور جبال القلمون. كنّا نقتفي طريقنا على ضوء النجوم فقط بينما نحاول الهروب من مرمى مدفعية النظام. كل هذه كانت مجرّد لحظات بالنسبة لي، تركيزي كان منصبّاً فقط على اللحظة التي سأعود فيها لأمي وأبي. رافقني في جزء من رحلتي مصوّر صحفي مجنون مثلي التقيته بالصدفة في إحدى القرى، صدفة غيّرت حياتي إلى اليوم. هوايتي وشغفي في التقاط الصور ذهبت لمنحى آخر لم أكن لأتخيّله، أصبحت مصوّر حرب!.
تعلمت من ذلك المصوّر قاعدة أخبرني بأنها أهم شيء قد أتعلّمه خلال التقاطي صور الحرب "إنّ ملايين الصور لن تستحق تعريض حياتك لأي خطر كان"، "إذا وقعت في الأسر فسيكون مصيرك الجحيم وسيكون الموت أهون عليك من أن تفكر بالنجاة من أيدي من توّثق جرائمهم"، "حاول دائماً أن تنتبه إلى التفاصيل من حولك، في حال بقيت لوحدك فيجب عليك بأن تثق بحدسك وذاكرتك لتنجو بحياتك قبل أن تتعرّض للأسر أو القتل".
رغم كل هذا، ورغم معرفتي بأنّي أعرّض حياتي للخطر في كل لحظة، وبأني قد ألقى حتفي برصاصة، قنبلة، صاروخ أو شظية... كان شعوري بالنصر الداخلي والشخصي لا يوصف. شعوري بأنّ كل الصور التي ألتقطها لما يحدث على الأرض من حصار وقصف ومعاناة الناس توّثق ما يحدث ثم تنشر ليراها العالم. بهذه الصورة كنت أنقل الحقيقة، حقيقة بأننا ككل البشر، نستحق الحياة والحرية والكرامة، ساعيا لأن يكون صوت الناس فوق كل التحليلات التي تتحدث عن معارك وتقدم عسكري أو سياسي، وبأن صوري هذه تخبرهم بأننا نعيش كل لحظة في خطر ومع ذلك نبتسم، ونضحك على الموت.
ومن هذه الصورة وهذه الحقيقة، أردت أن أنقل بصوري حياة هؤلاء الشباب اليافعين الذين فضّلوا الانشقاق عن جيش النظام ورفضوا أوامر المجرمين واختاروا الدفاع عن أهلهم ببندقية!. كانوا يذهبون مشياً على الأقدام لمسافات طويلة لجبهات المعارك، يقتاتون أحياناً على حبات الزيتون اليابسة أو خبز الشعير. لم يتجاوزوا العشرين عاماً، كان من المفترض أن يكونوا الآن في الجامعة أو في عمل ما. ولكن بسبب الحرب والحصار من قبل نظام الأسد اختاروا طريق الموت. كلّما تنتهي مناوبة الحرس أو المعارك تراهم عادوا لحياتهم الطبيعية كأي شاب من عمرهم. يلعبون الورق، يسمعون الأغاني، يتحدثون عن مغامراتهم أيام الدراسة، عن حبهم، يذهبون للصلاة ويغنّوا للحب والحبيبة علّهم يرونها مرة أخرى، فقد تكون الأخيرة.
"بدأوا بترتيب منزلهم الجديد المكوّن من غرفة الصف وبطانيات ثلاث. لم يحملوا معهم شيئاً عند خروجهم من قريتهم. جلست سارا تفكر. لم تفكر في تلك اللحظة في منزلهم، ولا البستان، لا الأبقار ولا الدجاج، ولا حتى نعجتها الصغيرة "خزنة". لم تفكر إلا في أبيها الذي لم يفارقها منذ البارحة وهي تذرف دموعها. سألت أمها "يما وين أبوي" فعمّ الصمت في الغرفة وتنهدت أمها "راح يجيب شوية غراض من البيت وراجع حبيبتي".
كيف تشرح لطفل لماذا هو جائع؟
عندما تشاهد هذه الصورة، قد تشاهد في بادئ الأمر رجلاً ومعه طفل يبكي. في الخلفية مسبح وشجر، هل يبكي هذا الطفل لأنه لا يحب التصوير؟
خلال هذه الفترة مع بداية عام 2014، كان الحصار في أشده: برد الشتاء وجوع. لا توجد أي محاصيل زراعية. كان الطفل يبكي لأنه كان جائعاً بكل بساطة!
من الممكن أن تعتبر أن الجوع شيء طبيعي، فأي طفل قد يشعر بالجوع، ولكن ليس عندما لم يأكل منذ عدّة أيام إلا صحناً من الخيار المخلّل! شعور الأب بالعجز القاتل، طفله كأي طفل في الغوطة لا يعرف حصاراً ولا حرباً، يعرف فقط بأنه جائع. كيف من الممكن أن تحاول أن تشرح لطفل معنى الحصار، معنى بأن هناك نظاماً وجيشاً يحاصرك وينتظرك لتموت من الجوع ليعلن انتصاره!
رغيف الجوع كذكرى!
خلال تلك الفترة تقريباً اتخذت أصعب القرارات في حياتي، أن أكون بعيداً عن والدي. كان شهر أيلول، بداية الشتاء البارد المرافق للحصار. جميع المداخل من وإلى الغوطة مغلقة. لا محروقات ولا كهرباء أو ماء، لا طعام أو مواد غذائية. لا مواد طبية ولا أي شيء.
كمعظم أهل الغوطة تعرّض منزلنا للقصف واضطررنا للنزوح. شقة مكونة من غرفتين صغيرتين في الطابق الثالث لبناء وسط الغوطة. بعد أسبوع من انتقالنا وأثناء تغطيتي للمعارك على خطوط الجبهة تعرّضت للإصابة الثالثة. ولكن بسبب انقطاع المحروقات أصبح من الصعب وحتى من المستحيل إجراء عمل جراحي لإصابتي، كونها عبارة عن كسور في الركبة والكاحل وليست حالة اضطرارية لنزيف أو بتر أحد الأطراف. كانت هذه العمليات الجراحية تسمّى عمليات باردة أي غير طارئة، حيث اضطر الأطباء إلى تحديد أولوية للعمليات الجراحية الإسعافية فقط بحسب خطورة الإصابة، وذلك بسبب ندرة المحروقات والمواد الطبية والمواد المخدّرة وحتى النقاط الطبية كونها كانت تتعرّض للاستهداف اليومي.
في تلك الفترة كان لدينا في المنزل على ما أذكر مؤونة صغيرة: كيلو ونصف الكيلو من الأرز، كيس صغير من السكر وبضع أرغفة من خبز الشعير وصحن من الزعتر وكيس صغير من الحلوى. كل يوم تضعها أمي على مائدة الطعام ويبدأ كل واحد بدعوة الثاني والإصرار على أن يتناول الطعام. هم يقولون لي "يا ابني انت متصاوب ولازمك أكل ليقوى جسمك"، وأنا بطبعي العنيد أصرّ على أنهم أحق مني بالطعام المتوّفر لدينا. إصابتي الأخيرة وبسبب تضييق الحصار على الغوطة جعلت الحلول البديلة هي الحلول الوحيدة لدى الجميع، فاضطررت لربط ساقي بقطعة قماش وتثبيتها بقطعة من الخشب لتلتئم كسوري وبدون أيّة أدوية مسكنة. بعد عدّة أيام على هذا المنوال من الجدال العائلي على الطعام، قرّرت أنّ أفضل حل هو خروج أهلي من الغوطة. حين بدأت الحديث عن فكرة خروجهم من الغوطة دوني، بدأت أمي بالبكاء ووالدي يقول بحزن ودموعه تسبق كلماته "وين بدنا نتركك بهل الوضع يا أبني!!؟؟"
رجحت كفة النقاش بيننا لصالحي فأنا العنيد بينهم "أنا مطلوب وما فيني إنزل معكم، إنتوا ما عليكن شي، هل الأكل يلي بقيان عنا ممكن يكفيني كم أسبوع، بس مارح يكفينا غير كم يوم نحن الثلاثة". أخيراً، وبعد أيام من الإصرار رضخ أهلي لهذا الحل. لحسن الحظ تمكنت من العثور على مهرب وتحت القصف ورصاص القناصات خرج والداي من الغوطة وبقيت وحيداً غريباً في منزل لا أعرفه.
بسبب إصابتي كان يتوجب عليّ أن أزحف داخل هذه الشقة الصغيرة، أزحف للذهاب للمطبخ لتناول الطعام، للذهاب للمرحاض أو حتى لأفتح الباب!. بدأت أغرق في دوامة من اليأس والضعف وكان يجب أن أفعل شيئا لأخرج من هذه الحالة. بدأت القراءة. كنت أحاول البحث عن حلول للتكيّف مع وحدتي ضمن الحصار ولكنني لم أجد شيئا. وفي أحد الأيام خطرت لي فكرة!. قبل الثورة كانت الرياضة مساحة أشغل بها يومي فلم لا أشغل بها وقتي الآن؟ ولكوني لا أستطيع الحركة فكان التمرين الوحيد الذي أستطيع القيام به هو تمرين شدّ عضلة المعدة، فبدأت بخمسة عدّات في اليوم الأول. كنت سعيداً جداً بذلك فأنا لم أتدرب منذ طويلة. لم أكن متأكداً من أنني أستطيع التمرين بسبب إصاباتي المتكرّرة وخسارتي لقوتي ووزني. ولسعادتي بهذا الإنجاز خطرت لي فكرة ثانية، لماذا لا أكافئ نفسي؟! لدي كيس من الحلوى، فبدأت بقضم قطعة صغيرة من الحلوى كي أستطيع أن أحتفظ بالمتبقي من الكيس لأطول فترة ممكنة. كانت قطعة صغيرة لا تتجاوز مليمترات ولكن رغم صغرها أحسست بطعم الحلوى، ربما كانت لذة النصر!
بعد ذلك بدأت أكافئ نفسي خلال يومي. كلما أنهيت قراء كتاب، كلما تمكنت من زيادة عدد التمارين وهكذا. ولأضمن متابعة هذا التحفيز، وفي حال مررت بيوم عصيب أو شعرت بالاكتئاب، خطرت لي فكرة كتابة مذكراتي.! من إنجازاتي الصغيرة في الغرفة الصغيرة بأنني تمكنت من الوصول في تماريني إلى العدة الأربعمائة دفعة واحدة. كان شعوري بوصولى لهذا الرقم لا يقدر بثمن، إنجاز وشعور لا يراه أو يشعر به أحد غيري، ولكن هذا غير مهم فأنا أشعر به. شعور انتصاري على الجوع، على التعب، الوحدة، الضعف، الحصار، على نظام كان هدفه أن يحطمنا وأنا في هذه الغرفة الصغيرة، قلت: لا ولم أنكسر.
أكره حياتي
في كل مرة أعود لأرى صورتها أتذكر هذه اللحظة، لحظة القهر والغضب وشعور الظلم. إيمان الطفلة التي كانت ترّحب بأي شخص يأتي لزيارتهم في غرفتهم في مدرسة حرستا القنطرة. إيمان ووالدتها وأخواتها الصغار المهجّرون داخلياً وقسراً من بلدة حرّان العواميد في الغوطة الشرقية، بعد أن قامت قوات النظام باقتحام بلدتهم، حيث حرقوا وقتلوا كل شيء وجدوه أمامهم. دمروا البلدة وسووها على الأرض. تعرفت على إيمان وعائلتها الصغيرة عندما كنت متطوعاً مع منظمة إغاثية قام بإنشائها مجموعة من شباب الغوطة وأسموها المكتب الإغاثي لمساعدة المحاصرين. وإيمان كانت من الأيتام، بسبب مقتل والدها على يد قوات النظام.
مع الأسف لم تعرف إيمان حقيقة مقتل والدها، كانت تنتظر دائما عودته، وفي كل مرة تسأل عنه تجيبها والدتها بإجابة مختلفة في كل مرة: "نزل عالشام وتسكر الطريق"، "عم يشتغل بلبنان"، "عم يشتغل بموسم القمح"... كانت هي وأخواتها وكل الأطفال في المدرسة يلعبون في ساحة المدرسة ويشعرون بالفرح عندما يأتي أحدا لزيارتهم. وعندما بدأت بزيارتهم بشكل شهري مع فريق توزيع كفالات الأيتام، أصبحوا أصدقائي، "عمو المصوّراتي" أصبح اسمي هناك.
في هذه الصورة، كانت المرة الأولى التي ألتقي بإيمان، رحبت بنا وكأننا ضيوف أتينا إلى منزلهم في بلدتهم حران العواميد. اجتمع حولي جميع الأطفال في المدرسة كوني أحمل الكاميرا، والتي أسماها أحد الأطفال " لمدفع". أخبرتني إيمان وأختها الصغيرة عن عائلتهم الصغيرة وبلدتهم الجميلة، عن والدهم وأرضهم والأبقار وغنمتهم الصغيرة "خزنة". ذهبتا راكضتين وعادتا بصورة شخصية مهترئة بعض الشيء لا يملكان غيرها لأبيهم. حملتاها مناوبة "هاد بابا، شوف. عم يشتغل برا ورح يرجع لعنا ونرجع لضيعتنا".
أثناء ذلك، أتى شخص من بعيد وبدأ بالصراخ "ولك شو عم تساووا قاعدين عم تتكهكهوا هون، روحوا انقلعوا كل واحد عغرفته، وانتي وليك، روحي انقلعي جيبي شاي ضيفيه للأستاذ، يالله لشوف". في هذه اللحظة وأنا أضغط على زر الكاميرا لالتقاط صورتهم مع صورة أبيهم قمت بالتقاط تلك اللحظة الحزينة لإيمان صاحبة الابتسامة الطفولية البريئة. بقيت صورة إيمان وأخوتها في بالي، صورة تختصر قهر الدنيا. خلال أحد الأيام وخلال كتابتي لمذكراتي اليومية في الغرفة الصغيرة خطرت ببالي فكرة الكتابة عن الطفلة إيمان وفعلاً بدأت.
كنت أبدأ يومي بالاستيقاظ والقيام بالتمارين الصباحية لعضلة المعدة. أحاول إيجاد شبكة الموبايل في إحدى زوايا الغرفة ليقوم جهازي بتحديث الرسائل التي وصلتني لأطمئن على أهلي وأصدقائي أو أعرف الأخبار. ثم أبدأ بكتابة مذكراتي، أحاول تذكر ما حلمت به. أدوّن عدد الأيام التي مرّت على فراق أهلي وأكتب شعوري، أبكي، أشعر بغصة، ومن ثم أعود للكتابة. أكتب عن أصدقائي وشوقي للقائهم، لأيام الجامعة. شوقي لأن أرى وجه حبيبتي لأحضنها وأبكي، شوقي للمظاهرات للحرية.. أشتاق وأكتب وأكتب…
"سكتت سارا تحاول جاهدة الاقتناع بكلام أمها، لكن قلبها لم يصدق. ينتابها شعور بالخوف فهذه أول مرة في حياتها تكون بعيدة عن أبيها. كانت طفلته المدللة يصحبها معه إلى كل مكان، لصلاة الجمعة والتراويح وصلاة العيد. تعلمت منه حب الأرض. "الأرض عرضنا يا بنتي" كان دائما يقول لها هذه العبارة التي أصبحت ترنيمة تهمس بها في كل يوم. كانت تعشق الحياة في عيون أبيها".