"بينَ بين" بودكاست بألوان الطيف


يروي بودكاست "بينَ بينْ" الذي يتناول موضوع الجندر والحرية الجنسية حكايات أشخاص لا تتوافق أدوارهم/ن الجندرية مع الأدوار الثنائية النمطية (ذكر/أنثى)، بما فيها من كشفٍ للذات ومواجهة للمجتمع، وكيف تحولت علاقاتهم/ن مع أسرهم/ن من صراع الأجيال التقليدي إلى صراع هوية.

01 آذار 2024

سعاد عباس

كاتبة وصحافية سورية، إجازة في الهندسة المدنية، إجازة في القانون الدولي، رئيسة تحرير جريدة أبواب سابقًا، تعمل صحفية في عدد من المواقع والصحف العربية

أضافت تجربة اللجوء السوري طبقات جديدة من الأزمات والآفاق في آن واحد، بسبب إضافة عامل جديد قائم على اختلاف الجغرافيا التي يعيش فيها السوريون/ات، بما يعنيه ذلك من اختلافات ثقافية واجتماعية جوهرية، ازداد الوعي بها في ظلّ حرية التفكير والتعبير والانفتاح على المختلف، ولا سيما على صعيد الأدوار والهويات الجندرية والثقافة الجنسية، وانعكاس ذلك على العلاقات الأسرية ما بين البلد الأم سوريا وبلد الإقامة ألمانيا على وجه الخصوص. يزيد من حدّة هذه الأزمات ضيق مساحات التلاقي، وسيطرة آليات الجدل القائم على الإلغاء.

في هذا السياق، تمّ غالباً تناول جزئية "الأدوار الجندرية/ الهوية الجندرية" على منصات "التواصل" السوري/ السوري وعلى أرض الواقع، بحسب طريقة فهمها والموقف منها، بأسلوب اصطفافي بحت ما بين طرفين متنازعين يكتفي كلّ طرف منهما عادةً بمصادر معلومات متماثلة، وبمتابعين من لونٍ واحد، ليس فقط بتجاهلٍ مقصود للألوان والتنويعات الأخرى، بل حتى بوصم الطرف الآخر و/أو الاكتفاء بعرضه كطرفٍ مُدان حكماً، في سياق خطاب كراهية بين المصطفين على ضفتي هذه القضية، بما يعزّز المفاهيم الإقصائية والتمييزية على صعدٍ عدّة.

وتتبدّى وطأة هذه الاصطفافات بتأثيرها المتبادل ما بين جيلي الآباء والأبناء، أي بتأثيرها المخلخل لكيان الأسرة من جهة، ومن جهة أخرى بإضافة طبقة خلافات جديدة بأسلوب تعميمي، ما بين سوريي الداخل (الخاضع مرغَماً) لتأثير تقاليد سلطوية اجتماعية ودينية وقانونية، وسوريي الخارج والموصومين بدورهم بتهم الانحراف وتقليد الغرب ومحاولات البحث اليائس عن التقبّل.

في الآونة الأخيرة انتشرت العديد من المنصات التي تتناول موضوع الجندر والحرية الجنسية، والتثقيف في مواضيع كانت على مدى عقود محرّماتٍ لا يمكن التعرّض لها علناً، ولا شك أنّ الثورات التي اجتاحت العالم العربي كان لها دور في خروج فئات كثيرة كانت مضطهدة ومكبوتة سابقاً عن صمتها.  ومن هنا سعت مبادرة "سرديات تقاطعية" لتناول هذا الموضوع، وذلك من خلال إنتاج ونشر بودكاست "بينَ بينْ" الذي يوّثق تجارب ووجهات نظر مرحلية تعكس عمق النزاع بين جيلي الآباء والأبناء، ولكن في إطارٍ شخصي عاطفي يتجاوز الثنائيات التعميمية: الضحية والجلاد، والمتمرّد والديكتاتور، الخارج والداخل، الحر والمتخلف. وبدوره، يتوّجه البودكاست إلى العائلات السورية الممزّقة من حيث الموقف والجغرافيا، والتي تشكل الهوية الجندرية لأحد أفرادها عاملاً إضافياً لهذا التمزّق، أي إلى أشخاصٍ اكتشفوا أو أفصحوا عن هوياتهم الجندرية أو تجاوزوا حدود أدوارهم الجندرية المفروضة سابقاً، وكذلك إلى عائلاتهم في سوريا و/أو في ألمانيا.

إحدى نقاط الجدل التي يتناولها البودكاست هي تلك المتعلّقة بالجندر باللغة العربية والرغبة بإحداث تغييرات في الضمائر الشخصية المستخدمة في للخروج من القواعد الثنائية للذكر والأنثى. على جانبٍ آخر، يتناول أهمية تقليص آثار التنميط وحدّة التنافر بين الفردانية والقيمة العاطفية للأسرة.

بعض العائلات السورية اللاجئة في ألمانيا تتعرّض لضغوط فيما يخص إرساء علاقات سوية مع أبنائها وبناتها في مجتمع جديد لا يعترف بالإطار التقليدي لسلطة الأولياء على الأطفال، والمستندة إلى بديهيات التقديس الديني والبطريركي المتوارث، في ظلّ تفاوت مستويات الدعم النفسي والمعرفي والسلوكي في مجالات الجندر والجنسانية ما بين المقدّم إلى الأطفال، وبين ذاك المقدّم إلى الأولياء عموماً، مما يعيق إمكانية الحوار والتفهّم المتبادل بين الأجيال، كما يؤدي إلى انتقال العلاقات الأسرية من مستوى صراع الأجيال التقليدي إلى سوية صراع وجود وهوية، لاسيما في الحالات التي يعبّر فيها الأطفال عن ميول جنسية أو هويات جندرية غير متوافقة مع المفاهيم المقبولة لعائلاتهم أو المجتمع الذي ينتمون إليه.

عن "بين بين"

بودكاست "بينَ بين" تقدمه مبادرة "سرديات تقاطعية"، وفيه حكاياتُ أشخاصٍ لا تتوافق أدوارهم/ن الجندرية مع الأدوار الثنائية النمطية (ذكر/أنثى)، بما فيها من كشفٍ للذات ومواجهة للمجتمع، وكيف تحولت علاقاتهم/ن مع أسرهم/ن من صراع الأجيال التقليدي إلى صراع هوية.

يتلمس البودكاست من خلال ضيوفه مفهومي العائلة التقليدية والعائلة البديلة، وكيف يمكن أن يؤثر التصريح بالهوية الجندرية، ومن ثمّ المواجهة الصادقة مع العائلة التقليدية على العلاقة بها، فتوّطدها أو تحجمها أو تلغيها، ومدى تأثير اللجوء وتغيير البيئة الثقافية والاجتماعية والقانونية على تطوّر استيعاب مفهوم الجندر وارتباطه بالحرية الفردية، في مقابل صعوبة تقبّل هذا المفهوم في المجتمع الأم المضطرب والخاضع لطبقات عديدة من الاستبداد.

هل يمكن للعلاقات العائلية أن تتعافى بعد ما عانته من ضعف أو انقطاع في التواصل، ومتى يكون قطعها خياراً أفضل من استمرارها؟ ما أهمية العائلة البديلة في حياة الكويريات والكويريين؟ ما أوجه "العنصرية" التي يتعرّض لها "الكوير" السوريون/ات والملونون/ات عموماً في ألمانيا؟ كيف يمكن مواجهة العنف الذي يتعرضون له في الشوارع، لاسيما في برلين؟

في حلقات بودكاست "بينَ بين" الخمس يلتقي نمار وسعاد مع ضيوفٍ يعكسون تنوّع الطيف الجندري، بدردشة صريحة عميقة ومرحة غالباً، يسرد فيها الضيوف قصصهم/ن، ما بين سوريا وألمانيا، قصص الحب التي جمعتهم/ن بأحبّائهم/ن، المكاشفة مع العائلة، العنف الذي تعرّضوا له، والطريق الطويل أمامهم/ن إلى النجاة، الحرية ومن ثم السعادة.

توقف بث الحلقات تضامناً مع الحرب على غزة، وسيتم استئنافه قريباً، ويمكن متابعة البودكاست على منصات سبوتيفاي، يوتيوب، انستغرام، ساوند كلاود.

مقالات متعلقة

طنطات المسرح السوري وطقوس الأيام الأخيرة

12 كانون الثاني 2024
من ينكر تأثير يد الزمن ويد مكانه على تشكيل الهويات الفردية والثقافية، من حكاية جان جنيه ولحظاته الحميمة في دمشق نهاية العشرينيات، إلى عودته في سبعينات القرن الماضي وتأثيره على...
عرفتُ أنني منكم وصنعتُ عائلتي الجديدة

11 آب 2023
ترسم سارة خياط عن العائلات البديلة لأفراد مجتمع الميم عين، كيف نصنع عائلاتنا المبنية على الحب والرحمة. عائلات تقبل بنا كما نحن و تجيد الحب الغير مشروط. يرافق الرسوم نص...
أسطورة "زوزو": من "الجو" في أحياء دمشق إلى "عطيات" على المسرح السوري

16 كانون الأول 2022
في هذا النص، يأخذنا الكاتب إلى سبعينات وثمانينات سوريا ويحاول إعادة تركيب تاريخ لشخصية مثلية لانمطية التعبير الجندري كانت قد عرفت في أحياء دمشق وضرب فيها المثل: زوزو. من خلال...
دراما كويريّة سوريّة

19 آب 2022
في هذه المادة والرسومات، يعود بنا الفنان طارق السعدي بالزمن إلى الجيل الذهبي للدراما السوريّة، مسلطًا الضوء على بعض "الشخصيات الكويريّة" التي ظهرت في مسلسلات تابعناها وأحببناها، ولكن "يمكن انتست"....

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد