ما زال العالم، ساسة وصحفيين/ات ومراقبين/ات، يحاولون فهم تطوّرات الأحداث في شمال شرقي سوريا الأسبوع الماضي، والتي فاجئت حتى الضالعين فيها كما يبدو.
المراسل الحربي المخضرم، كريستوف رويتر، أجرى مقابلة مع ديرشبيغل، التي يعمل لصالحها، عنوانها "هل بوسع الأسد أن يعلّق آماله على بوتين؟"، مقدماً إحاطة لما جرى، ومحاولًا بحذر استشراف المستقبل القريب.
خلال سنوات الثورة والحرب في سوريا زار رويتر سوريا مرارًا، كان أخرها في العام ٢٠١٩، قبل أن يوجّه نشاطه المهني نحو أفغانستان وأوكرانيا. تطوّرات الأيام الماضية أعادته وجلّ الصحافة الدولية للاهتمام بالحدث السوري.
فيما يلي بعض ممّا ورد في اللقاء:
اعتبر رويتر أنّ الحديث عن كون ذاك الهجوم مفاجئًا تمامًا يجانب الحقيقة. فبرأيه، الجميع كان على دراية بأنّ هجومًا واسع النطاق قادم، تحضّر له "هيئة تحرير الشام" منذ أكثر من عام، خاصّة فيما يتعلّق بالطائرات المُسيّرة. قيادة جيش الأسد علّقت الاجازات، يقول رويتر، مع ذلك، كان من الواضح، أنّ لسان حال الموجودين في جانب النظام :"لم يعد لدينا جنود، وليس هناك من يريد القتال، يريد الجميع الذهاب إلى البيت (..) ولأجل ماذا نقاتل؟."
وأوضح رويتر أنّه كان في اعتقاد "المتمردين" أنّهم سيستعيدون بعض المناطق التي سيطر عليها الأسد بعد اتفاق خفض التصعيد، وربّما الاقتراب من مدينة حلب، ما قد يستغرق أشهرًا، لكنهم تفاجئوا بعدم وجود أحد! الحواجز، وحتى القواعد العسكرية الكبيرة، كانت قد تُركت. "انتظروا حوالي نصف ساعة قبل دخول حلب، معتقدين بأنّه فخ على الأرجح. شيء ما مخيف يحدث هنا. ثم اكتشفوا أنه لا أحد هناك في الحقيقة (..) لم يكن هناك أيّة مقاومة، لأن (عناصر النظام) كانوا قد فروا سلفًا، وكانوا قد حضروا للفرار جزئيًا، كي لا يحدث بين ليلة وضحاها. عندما تخلّي المخابرات العسكرية مقرها، وتأخذ المعتقلين/ات معها. لا يفعل المرء ذلك في ساعات، بل يحضّر له لأيّام. لم تكن هناك مقاومة، وهكذا سيطروا على حلب فجأة".
هيئة تحرير الشام.. "وفق ما ينص الكتاب"
بالحديث عن "هيئة تحرير الشام"، رأى أنّ هذه المجموعة مرّت بمرحلة تكوين غريبة في الأعوام الماضية، وفعلت كلّ ما من شأنه الحصول على النفوذ وتأييد شعبي، منذ قطعها علاقاتها مع تنظيمي القاعدة و"الدولة"، وصولًا إلى سلوكها حيال سكان حلب منذ إعادة السيطرة عليها قبل أيّام، خاصة المسيحيين/ات، سلوك يرى أنه نُفّذ "وفق ما ينص الكتاب".
"انتظروا حوالي نصف ساعة قبل دخول حلب، معتقدين بأنّه فخ على الأرجح. شيء ما مخيف يحدث هنا. ثم اكتشفوا أنه لا أحد هناك في الحقيقة (..) لم يكن هناك أيّة مقاومة.
فيما إذا كان يصدّق سلوكهم هذا ويعتقد بأنّه سلوك "أصيل"، أم مجرّد محاولة لجذب السكان إلى ناحيتهم، يرى أنّ هذا السلوك أصيل إلى حدٍّ ما، لأنّه مرآة لما حدث في المناطق المُسيطر عليها في إدلب من عدم الإجبار على الالتزام الديني، "لكن ما لا نعرفه بالطبع إن كانوا سيستطيعون التغيّر، من كونهم ميليشيا يقودها زعيم حرب، هم كذلك حتى الآن، حال حصولهم على مزيد من النفوذ، إن سيطروا على حماة أيضًا في الأيام القادمة، وتوجهوا إلى دمشق. هل بوسعهم التحوّل إلى قوّة سياسية، والحكم مع أطراف أخرى، على نحو يستطيع المرء خلاله تأسيس أحزاب وعقد انتخابات؟"، موضحًا أن ذبح المسيحيين/ات المُفترض، سيكون سلوكًا غبياً، سيفقدهم الدعم الخارجي والشعبي.
توقيت العملية وصلته بالتطورات الدولية
عن توقيت العملية وما إذا كان ذات صلة بالتطوّرات الدولية، يؤكد رويتر أنّ ما يجري ذو علاقة بكلِّ الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا، وأنّ جميع داعمي بشار الأسد، الذين منعوا سقوطه، لم يعودوا موجودين، فحزب الله مشغول بإبقاء لبنان تحت سيطرته بعد عام من الحرب مع إسرائيل، وإيران ليست مفلسة تمامًا، لكن لم يعد لديها المال والهيبة، لإرسال ميليشيات عراقية، أي أن هناك نقص في المقاتلين على الأرض، وروسيا وطيرانها مشغولان بتدمير أوكرانيا، الآلاف من جنودها نُقلوا وتقلّص عدد طائراتها إلى ما يقارب العشرة في حميميم. "كان المتمردون يعلمون ذلك، وكذلك ضباط جيش الأسد الذين غادروا إلى منازلهم أو تركوا المدينة، أو أرسلوا عوائلهم قبل أيام من ذلك إلى الخارج، ولسان حالهم: وحدنا سنُسقط كما سقطنا في ٢٠١٢"، يوضّح.
وتوقف رويتر ومحاوره عند الموقف الروسي المتوقّع من هذا التصعيد، وفيما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أو في وضع يخوّله مساعدة الأسد. ويرى رويتر أنّ بوتين لا يريد بالتأكيد إرسال ذاك العدد من الطائرات والجنود مجدّدًا إلى سوريا كما فعل في العام ٢٠١٥، خطوة يعتبرها استعراض قوّة وتحدي من بوتين حينها، قابلها الغرب بالكلام فقط تاركين السوريين/ات لمصيرهم، ما شجّع بوتين لمهاجمة أوكرانيا بعد سنوات.
ماذا يختار بوتين؟ أوكرانيا أم سوريا؟
إن خُيّر بوتين أي حرب يريد أن يربح، سيختار أوكرانيا بالتأكيد، يقول مستدركًا بأنّ سقوط حلب في غضون يومين، يشكل ضررًا كبيرًا في صورة بوتين، حيث استثمر المليارات ليحافظ على نظام الأسد. ويتنبأ أنّ بوتين لن يستطيع إعادة الحال إلى ما كان عليه، ولن تعود حلب إلى النظام، لأنه بحاجة إلى مزيج من قوات حزب الله وباقي الميليشيات على الأرض، وطائراته، كما كان الحال في العام ٢٠١٥، ولن يرسل حزب الله الآلاف من مقاتليه إلى حلب مجددًا، الكثير منهم باتوا قتلى بالفعل، مقلّلًا من شأن إعلان الأسد وجنوده شن هجوم مضاد "وحدهم"، ليبقى السؤال كيف سيمضي الأمر؟.
سقوط حلب في غضون يومين، يشكل ضررًا كبيرًا في صورة بوتين، حيث استثمر المليارات ليحافظ على نظام الأسد.
متحدثًا عن تفكك سوريا داخليًا منذ سنوات، والوضع في شمال غرب وشرق سوريا (الذي لم يتوقف عنده، وعن تهجير آلاف الكورد من ريف حلب)، والجنوب الذي يوشك على الانتقال للانتفاضة للمسلحة مجدّداً، شبّه الوضع في سوريا بأوروبا خلال حرب الثلاثين عامًا. "منطقة نفوذ الأسد ستتقلص، منطقة نفوذ حلفاء تركيا ستنمو، لكن ما الذي سيحصل؟ هل سيكون من الممكن توحيد البلد تحت قيادة تصل إلى السلطة بسلمية، وتصبح سوريا ما يمكن رؤيته كديمقراطية، أمر يريده كثيرون، لكنه سيكون صعبًا. هذا طريق طويل للغاية، لكن يمكن أن يبدأ فقط عندما لا يحكم الأسد في دمشق".
في ردود ختامية قصيرة يخلص رويتر إلى أن: "نعم هذه بداية نهاية نظام الأسد. لا نعلم إن كان سينجح إسقاط هذا الدكتاتور بسرعة، لكن مع (فقدانه السيطرة على) حلب، أكبر حاضرة اقتصادية، هذه بداية النهاية"، "الأسد معتمد للغاية على بوتين، لكن بوتين لن ينقذه"، يبدو رويتر متأكدًّا.