أسئلة شخصية حول صعود اليمين في ألمانيا

هل نهرب من جديد؟


هل أعتبر نفسي ألمانيًا بعد مرور أكثر من عقد على عيشي في هذه البلاد وحملي جنسيته؟ والأهم: هل يعتبرني الألمانُ ألمانيًا؟ ما الذي يعنيه أن يكون المرء ألمانيًا؟ ألم يكن معظم ضحايا النازيين ألمانًا ومن حملة الجنسية الألمانيّة؟ هل ننتظر هربًا آخرًا بعد هربنا من إجرام نظام بشار الأسد في سوريا؟

11 آذار 2025

دلير يوسف

كاتب ومخرج وصحافي من سوريا، مقيم في برلين- ألمانيا. أخرج عدداً من الأفلام السينمائيّة، وصدر له مطبوعاً: "حكايات من هذا الزمن" (٢٠١٤)، و"صباح الخير يا أحبّة" (٢٠٢٠)، و"قاعدة الخوف الذهبيّة" (٢٠٢٢)، "حكاية آدم بيرغمان، أو كيف أصبح الرجل ريحاً" (٢٠٢٤).

وصلتُ إلى ألمانيا في خريف العام ٢٠١١. تنقلت لعدّة أيام بين مدن عديدة حتى استقر بي المقام في تقديم طلب اللجوء في مدينة دورتموند. بعد عدّة أيام في غرفة تشاركتها مع شبان هاربين من جماعة بوكو حرام في نيجيريا، أرسلتني السلطات إلى مدينة كارلسروه لأعيش في مخيّم مؤقّت لمدّة شهر وأتشارك غرفة واحدة مع خمسة شبان أكراد سوريين.

لم يُسمح لنا في كارلسروه بالعمل أو تعلّم اللغة أو الطبخ أو أيّ شيءٍ آخر. كنّا نتناول وجبتين في اليوم، واحدة في السابعة صباحًا، وهي بعض الخبز والزبدة والمربى، وأخرى في الثانية عشر ظهرًا، وهي بعض ما يطبخون من طعام ألماني لم نكن نستسيغه.

كنّا نعمل سرًّا بأجور أقلّ من نصف الحدِّ الأدنى للأجور حتى نستطيع شراء بعض الطعام الذي يقيم صلبنا، وكنّا نطبخ سرًّا في غرفنا، ونخبّئ السخّان الكهربائي تحت فراش أحدنا. كان المسؤولون وقوّات الشرطة يداهمون غرفنا متى شاءوا، هكذا داهموا خلال شهر من وجودي هناك غرفنا لأربع مرات. كانت المداهمات تحدث بعد منتصف الليل، أو في الصباح الباكر جدًا، في الرابعة أو الخامسة. يدخلون الغرفة بأسلحتهم ويصرخون في وجوهنا النائمة.

كانوا يتأكدون من أنّ النائمين في الغرف، هم من مقدّمي طلبات اللجوء، ليس بينهم أشخاص غير قانونيين، ومن خلو الغرف من الممنوعات، كالسخّان الكهربائي ربّما.

بعد شهر من ذلك الكابوس أرسلوني إلى قريةٍ صغيرة على الحدود السويسرية في الغابات السوداء؛ اسمها "ألبروغ" لم يسمع بها أحد. قرية تقع في "طيز العالم"، مثلما يصف الألمان الأمكنة النائية البعيدة عن كلّ شيء.

إن ظننتُ سابقًا أنّ الحياة في مخيم كارلسروه كانت كابوسًا، فالحياة في مخيّم ألبروغ كانت أشبه بالغطس في جورة خراء خلال عقوبة عسكريّة، في كابوس لا يستطيع المرء الاستيقاظ منه.

من خلال بعض الأمثلة سأحاول رسم صورة للحياة هناك رغم أنّ لا شيء في هذا العالم يستطيع اختصار ما كان يجري هناك.

إن ظننتُ سابقًا أنّ الحياة في مخيم كارلسروه كانت كابوسًا، فالحياة في مخيّم ألبروغ كانت أشبه بالغطس في جورة خراء خلال عقوبة عسكريّة، في كابوس لا يستطيع المرء الاستيقاظ منه.

في المخيّم صراعات بين لاجئين قادمين من مختلف دول العالم، يعيشون هناك منذ سنوات. في غرفتي كان يقيم شاب فلسطيني منذ خمس سنوات، ويعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة منذ شهرين فقط، حين حصل على حقّ العمل.  شابٌ من حلب يعيش في الغرفة المجاورة منذ عشر سنوات ونصف، ويقيم في ألمانيا منذ اثنتي عشرة سنة، محرومًا من حق العمل والتعلّم والتنقل داخل ألمانيا. في الغرفة المجاورة، على الجانب الآخر، شابٌ من إثيوبيا، يعيش منذ ثلاث سنوات، وعليه العمل لمئات الساعات في تنظيف المخيّم من بين أماكن أخرى، لأنّه لم يستطع دفع مخالفة قطار، فتراكم المبلغ عليه حتى صار بمئات اليورو، ففُرض عليه العمل الاجتماعي، الساعة مقابل يورو واحد. كان الحدّ الأدنى للأجور آنذاك حوالي ١١.٥ يورو عن الساعة، حسبما أذكر.

باب الشمس: بابٌ للذاكرة وآخر للحبّ

03 حزيران 2024
في سينما أرسنال في برلين، شاهدَ كاتبُ هذا المقال، فيلم "باب الشمس" للمرّة العاشرة ربّما، لكنها المرّة الأولى على شاشة سينما، ما سمح به باسترجاع مشاهداته السابقة، وتفاصيلها مع العائلة...

كان معظم الساكنين في ذلك المخيّم محرومين من العمل والتنقل مسافة تبعد أكثر من ثلاثين كيلومترًا عن مكان المخيّم. لم نكن نملك من أمرنا شيئًا، ويتعامل الموظفون في المكان، الألمان البيض، معنا بمبدأ الشك، بالنسبة لهم كلنا لصوص وجهلة، حتى يثبت العكس.

واقفًا على باب السوبر ماركت الوحيد في القرية، كان الموظّف المسؤول عن المخيّم يسلمنا إيصالات، صالحة المفعول لمدة ساعتين فحسب، تتراوح قيمتها بين ٢٥ و٣٣ يورو، تسمح لنا بشراء حاجيات الأسبوع من طعام وشراب.

في السوبرماركت كانت الموظفون يفتشوننا ويفتشون حقائبنا، لأنّنا لصوص، حتى يثبت العكس. في الشارع كان الناس يبتعدون عنّا، وأحيانًا يبصقون علينا أو يصرخون علينا إذا فعلنا أيّ شيءٍ يرونه مخالفًا لما اعتادوا. عندما عدتُ إلى المكان سائحًا مع شريكتي الألمانية وابنتنا، بعد تسع سنوات من ذلك التاريخ، كان الناس في قمّة اللطف معنا.

في السوبرماركت كانت الموظفون يفتشوننا ويفتشون حقائبنا، لأنّنا لصوص، حتى يثبت العكس. في الشارع كان الناس يبتعدون عنّا، وأحيانًا يبصقون علينا أو يصرخون علينا إذا فعلنا أيّ شيءٍ يرونه مخالفًا لما اعتادوا.

بعد أن أمضيت ستة أشهر في ذلك المكان البائس، وبعد جولات من الاكتئاب ومن الرغبة الصادقة بالانتحار ومحاولات للهرب حصلتُ على حقِّ الإقامة لمدّة سنة واحدة. حصلت على حقِّ الإقامة سريعًا لأنّني كنتُ لاجئًا "مشهورًا"، فقد كتبت عني صحف كبرى وكان يزورني صحفيون باستمرار. تجدّدت إقامتي في كلّ عام ومن ثم صارت ثلاثًا حتى حصلت على الجنسية الألمانية في العام ٢٠٢٢.

كي أستطيع التنقّل مثلما أريد، تنازلت بشكلٍ رسمي عن أيّة مساعدة حكومية، بالتوقيع على وثيقة. وهكذا انتقلت للعيش في برلين.

عودة إلى بيروت ثم إلى برلين مجدّدًا

خلال النصف الثاني من العام ٢٠١٢ وطوال العام ٢٠١٣، عشتُ بشكل أساسي في العاصمة بيروت، مع سفر دائم إلى ألمانيا وهولندا وتركيا والأردن. أمضيت أيضاً أشهرًا في حصار، فُرِض عليّ أثناء تنقلي سرًا في غوطة دمشق، من أجل عملي الصحفي.

عدت إلى أوروبا في نهاية العام ٢٠١٣، وإلى برلين في بداية العام ٢٠١٤، وأعيش مذاك باستمرار فيها، وأحسب نفسي برلينيًا، أتفاعل مع المدينة مثلما كنتُ أفعل في دمشق.

بدءًا من منتصف عام ٢٠١٤، بدأ الوصول الكبير للسوريين/ات إلى ألمانيا. كان الكثير من السوريين يعيشون بالفعل في ألمانيا، بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي، وصلوها كطلاب أو كلاجئين، بينهم الكثير من الكورد، لكنّها كانت بالمجمل حالات فردية. وبعد العام ٢٠١٤ وصلت مجموعات كثيرة من اللاجئين/ات السوريين/ات والعراقيين/ات والصوماليين/ات والأفغان/ات وغيرها من جنسيات ابتلت بلعنة الحروب.

قُدّرت أعداد الواصلين/ات بمئات الآلاف، بعد "الموجة" الكبيرة في العام ٢٠١٥، عندما رفعت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، شعار Wir schaffen das (نستطيع فعلها) الشهير، قائلة إنّ باستطاعة ألمانيا مساعدة كلّ أولئك اللاجئين/ات الذين يقطعون البحر المتوسط ويمشون قاطعين دول البلقان وأوروبا الشرقية محاولين الوصول إلى دول تحترم حقوق الإنسان، ولو بالحدّ الأدنى.

الكتّاب الكرد السوريون

14 تشرين الأول 2023
لماذا يكتب قسم من الكتْاب الكرد باللغة العربية؟ وهل يكون هذا أدباً كردياً أم عربياً في هذه الحالة؟ أم أدب عربي بروح كردية؟ ولماذا قرّر بعض الكتّاب الكرّد أن يكتبوا...

وصول اللاجئين وصعود اليمين

الكثير من أصدقائي وصلوا حينها تباعًا. أصدقاء عرفتهم في بيروت وآخرون أعرفهم مذ كنتُ أعيش في سوريا، وآخرون عرفتهم في محطّات أخرى من حياتي. كان بينهم صديقة عمري، التي أحسبها توأمي التي لم تلدها أمي، وعاشت في نفس المدينة التي أعيش فيها، بل وحتى تشاركنا البيت لبعض الوقت.

دعم وساهم الكثير من المواطنين/ات الألمان/ات في احتضان اللاجئين/ات. كان بعضهم يقفون في محطات القطار بانتظار اللاجئين الواصلين في العام ٢٠١٥، يحملون الورود وعبوات المياه لاستقبالهم، ويصفقون ويهتفون كلّما وصلت مجموعة جديدة منهم بثيابهم الرثة، وآثار قطع الطريق الطويل الذي اتخذوه بحثًا عن حياة كريمة بادية على وجوههم.

ترافق هذا الاستقبال الحار مع ارتفاع أصوات يمينيّة تدعو ميركل إلى إغلاق الحدود أمام أفواج اللاجئين/ات. هذا ما ساهم في ارتفاع أسهم "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني القومي المتطرف، والذي كان قد تشكّل قبل ذلك التاريخ بعامين (أي في العام ٢٠١٣)، ردًا على سياسات أوروبية اتخذتها الحكومة الألمانية آنذاك.

في صعود صاروخي قدم هذا الحزب نفسه واجهة معادية للاجئين/ات في ألمانيا، ورأس حربة في الصراع السياسي الألماني فيما يخصّ قضايا الحريّات والحقوق الأساسيّة، حتى وصل إلى البرلمان (البوندستاغ) في انتخابات ٢٠١٧ كثالث أقوى حزب سياسي في البلاد، ليصبح أوّل حزب قومي متطرّف في البرلمان منذ انتهاء الحقبة النازية.

خلال الحقبة النازية، كانت القيمة العليا للإنسان لا تحدّد بشخصه، بل بعضويته ضمن جماعة محدّدة من الناحية العنصريّة. اعتبر النازيون العرق الآري الذي ينتمي إليه الألمان، متفوّقًا، ينبغي الحفاظ على نقائه، وبناء عليه، وضمن خطط إبادة مختلفة، قتلوا حوالي ستة ملايين يهودي، وحوالي ستة ملايين سوفيتي، وحوالي ثلاثة ملايين بولندي، ونصف مليون صربي، وأكثر من ربع مليون شخص من ذوي الإعاقة، ومئات الآلاف من الغجر، وآلاف من المنتمين إلى طائفة شهود يهوه، وآلاف من المنتمين إلى هويات جنسيّة مختلفة (مثليين وعابرين جنسيين..)، إضافة إلى الآلاف من الألمان ذوي الأصل الإفريقي والسلوفينيين والإسبان ومن أجناس وأعراق أخرى خلال الحرب العالمية الثانية.

هل تعاملت ألمانيا حقًا مع ماضيها؟

عُرفت ألمانيا بعد انتهاء الحرب وخلال العقود التالية على أنّها الدولة المثال في تعاملها مع ماضيها الإجرامي، وحتى في التعامل مع ماضيها الاستعماري، بدءًا من أوّل إبادة جماعية في القرن العشرين والتي ارتكبتها قوات ألمانية على أراضي دولة ناميبيا، وصولًا إلى الهولوكوست واحتلال أوروبا.

هكذا ظهر في الإعلام على الأقل، وهذا ما كانت تروّجه السياسة الألمانيّة. لكن، هل تعاملت ألمانيا حقًا مع ماضيها؟ أو بالأحرى، كيف تعاملت ألمانيا مع ماضيها؟

في بداية العام ٢٠٢٤ أعلنت ألمانيا في بيان لها وقوفها كطرفٍ ثالث إلى جانب إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، دفاعًا عن إسرائيل في وجه اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في غزّة وجهتها حكومة جنوب إفريقيا لإسرائيل. بعد هذا الإعلان قال الرئيس الناميبي حاجي جينجوب، الذي توفي بعد ذلك بأسابيع قليلة، إنّ ألمانيا "غير قادرة أخلاقيًا على التعبير عن الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية… في الوقت الذي تدعم فيه ما يعادل محرقة وإبادة جماعية في غزة" وأضاف أنّ "الحكومة الألمانية لمّا تُكفّر بعد عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها على الأراضي الناميبيّة".

سيرة ذاتيّة للناجين

15 نيسان 2022
كيف يعيش اللاجئون السوريون كبار السن في برلين؟ أولئك الذين قطعوا سنوات عمرهم الستين وأصبحوا فجأة لاجئين في بلاد غريبة لا يعرفون عاداتها ولا يعرفون لغتها ولا يعرفون كيف يتفاعلون...

خلال عملي على إحدى حلقات البودكاست عن التغيير في ألمانيا قابلت عاملة في منظمة اسمها Roma Center e.V المعنية بشؤون الغجر في ألمانيا. أكّدت لي الصعوبات التي يعانونها في عملهم، حد عدم قدرتهم على تنظيم فعالية واحدة في المدينة التي يتمركزون فيها لأنّ أهل المدينة لا يقبلونهم، وهكذا يتوجب عليهم القدوم إلى برلين "الملوّنة" من أجل القيام بنشاطاتهم العامة.

حتى في برلين، كنتُ شاهدًا على عدد من الحوادث العنصريّة التي تعرّض لها بعض الغجر في الشوارع لأسباب مختلفة. يكاد لا يخلو يوم في برلين "الملوّنة والمتنوعة" من أن يتعرّض سود البشرة إلى حوادث عنصريّة، وقد كنتُ شاهدًا على بعضها. هذا دون أن نتحدث عن العنصرية المُمأسسة في دوائر الدولة الحكوميّة.

بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزّة في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٣، ازداد عنف الشرطة الألمانية ضدّ المتظاهرين السلميين المتضامنين مع فلسطين والفلسطينيين/ات. شهدت شوارع برلين عمليات ضرب واعتقال وملاحقة بشكلٍ شبه أسبوعي منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات في نهايات تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٤.

حتى أنّ منظمة العفو الدولية قالت في بيان لها، صدر في شهر تموز/ يوليو ٢٠٢٤، إنّ ألمانيا من بين دول أوروبية عديدة قد استخدمت العنف المفرط في وجه متظاهرين سلميين ما أدى إلى "إصابات بالغة وأحيانًا دائمة" ضمن صفوف المتظاهرين، كما بيّنت المنظمة "حالات إفلات الشرطة من العقاب أو انعدام المساءلة"، وقالت إنّه "لجأ الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين إلى الاستخدام المفرط للقوة ضدّ الأطفال" في ألمانيا، من بين عدّة دول أوروبيّة.

تشهد ألمانيا في الأعوام الأخيرة بشكل شبه يومي تصريحات من مسؤوليها ومن شخصيات نافذة اجتماعيًا، أقلّ ما يقال عنها إنّها تصريحات عنصرية موجّهة ضدّ الإسلام والمسلمين/ات واللاجئين/ات، واستُبدِل حديث معاداة السامية الذي طغى في الفترة النازية بحديث معاداة الإسلام في الفترة الحالية، وهذا يترافق مع ارتفاع أسهم حزب "البديل من أجل ألمانيا" القومي المتطرّف لدى الناخبين، مع ما يتضمّن ذلك من بروز مظاهر قومية معادية لـ “الغرباء" في شوارع البلاد.

تتبادر في هذه الأيام إلى الذهن أسئلة من نوع: هل استطاعت ألمانيا فعلًا التعامل مع ماضيها؟ ما الذي يعنيه ذلك؟ هل استبدلت فقط ضحاياها البيض بضحايا "ملوّنين"؟ ما المستقبل الذي ينتظرنا، نحن الألمان الجُدد، في هذه البلاد؟ كيف تحولت صيحات الهتاف والترحيب باللاجئين في العام ٢٠١٥ إلى أصوات كراهية وعداء عالية؟ كيف تحوّلت المشاعر الشعبية المتضامنة إلى شعور عام بالتفوق على المهاجرين/ات واللاجئين/ات؟ كيف ارتفعت أسهم اليمين المتطرّف؟

تتبادر إلى الذهن أفكار عن خوف الناس من خلفيات مهاجرة، وتفكيرها الدائم بالهرب من هذه البلاد التي لجئوا إليها.

كلاجئ كوردي سوري، ابن مرأة عراقية، يعيش مع شريكة حياة ألمانية الأب والجد، وكأب لطفلة ولدت هنا، وتعرف عن نفسها كبرلينيّة، تتبادر إلى ذهني أسئلة مقلقة عن مصيرنا الشخصي في هذه البلاد.

ماذا سيحصل لنا إن وصل المتطرفون إلى سدّة الحكم؟ أين نهرب؟ أو هل نبقى ونقاوم صعود اليمين القومي كعائلة ألمانية صغيرة؟ لكن في الوقت نفسه أفكر في نفسي كألماني جديد: هل أعتبر نفسي ألمانيًا بعد مرور أكثر من عقد على عيشي في هذه البلاد وحملي جنسيته؟ والأهم: هل يعتبرني الألمانُ ألمانيًا؟ ما الذي يعنيه أن يكون المرء ألمانيًا؟ ألم يكن معظم ضحايا النازيين ألمانًا ومن حملة الجنسية الألمانيّة؟ هل ننتظر هربًا آخرًا بعد هربنا من إجرام نظام بشار الأسد في سوريا؟ ما المستقبل الذي ينتظرنا، نحن الألمان الجُدد أصحاب الهويات المتعدّدة، في هذه البلاد؟

ملاحظة مُلحقة

كُتب هذا النص قبل سقوط نظام الأسد بفترة زمنية قصيرة، بعد هذا السقوط والتحرّر من الطغيان تغيرت مشاعر الناس الذين قدموا من سوريا، بعضنا استطاع زيارة بلاده للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وصار عندنا مشاعر متضاربة نحتاج ربّما لسنوات طويلة من أجل معرفة كيفية التعامل معها.

في الأثناء، خاضت ألمانيا مطلع العام ٢٠٢٥ انتخابات برلمانية، أسفرت عن فوز الاتحاد المسيحي المحافظ، الذي كان قد تقدم مؤخراً بمشاريع لحزمة قوانين معادية للاجئين والأجانب، وحتى لحملة الجنسية الألمانية القادمين من خلفيات مهاجرة.

لا يعرف المرء كيف يشعر، لكن يعرف أنّ مقاومة الطغيان وعدم المساواة والبحث عن العدالة لا تعرف زمانًا ولا مكانًا. ويبقَ أملنا دائمًا في عالم حرّ عادل لا طغيان ولا تفوق عرقي أو ديني أو جنسي فيه، ونحن محكومون بالأمل، ونعمل من أجله.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد