كورونا في الساحل السوري: انضب في بيتك يا حبيب!

رشوة لخرق حظر التجول!


ما حال كورونا في الساحل السوري؟ كم عدد الإصابات؟ ما هي جاهزية المشافي؟ هل يلتزم الناس بالحظر؟ ماذا عن الأوضاع الاقتصادية؟ وكيف تعاملت السلطات مع خطر كورونا؟ هل من مساعدات قدمت؟ ماذا يفعل المجتمع المدني؟ هل تدخل الروسي والإيراني في مسائل كورونا؟ هذه الأسئلة وغيرها، يعالجها هذا التحقيق الموّسع الذي أعدته حكاية ما انحكت من الساحل السوري.

04 آب 2020

حازم مصطفى (اسم مستعار)

كاتب وصحفي سوري مقيم في اللاذقية

 

(تم دعم هذا التحقيق من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants,، وبدعم من موقع ميدان)

الأرقام الواردة في هذا التحقيق تغطي حتى منتصف شهر تموز ٢٠٢٠

(اللاذقية)، وسط ازدحام شديد، وﻷكثر من نصف ساعة وقفت "سارا" (اسم مستعار،24 عاماً)، الطالبة في كلية الطب البشري في سنتها الخامسة، على مدخل جامعة تشرين الرئيسي حيث تُجرى اختبارات فحص الداخلين إلى الجامعة للتأكد من خلوهم من اﻹصابة بفايروس كورونا المستجد COVID-19#، كان لديها مقابلةٌ مع أستاذ مادة التشريح المرضي لاختيار موضوع لرسالة الماجستير خاصتها وقد تأخّرت.

الكورونا في الساحل السوري

23 آذار 2020
ما هي حقيقة كورونا في سوريا؟ هل يخفي النظام الإصابات حقا؟ ولم؟ وحتى لو أراد إخفائها فهل يسطيع؟ وما حال المشافي السورية اليوم؟ هل هي مجهزة وقادرة على التعامل مع...

لم يستغرق الاختبار أكثر من ثوان، فقد أعطى الجهاز اﻹلكتروني إشارة سلبية تدل على خلوها من المرض. تقول سارة لحكاية ما انحكت: "يُجرى الاختبار يومياً على آلاف الطلاب الداخلين إلى حرم الجامعة، نحن لا نعرف مدى دقة الجهاز المستخدم أو المسحات المنفذة. ولكن لا أحد، وأنا أولهم، يلتزم بأيّة تعليمات تصدرها أو أصدرتها وزارة الصحة بشأن التباعد الاجتماعي أو ارتداء كمامات، أنظر أمامك ترى المشهد على حقيقته".

في اﻷيام القليلة الماضية سجّل مشفى تشرين أوّل وفاة بالكورونا لم يعلن اسمها، كما سجّلت جامعة تشرين قيام سيدة من أحد طواقم الجامعة اﻹدارية من تلقاء نفسها بالخضوع لإجراءات الفحص وأخذ المسحات. وقد تبين لاحقا أن النتيجة إيجابية. في اﻷسبوع الأول من حزيران الحالي، تم الاشتباه بإصابة أربعة طلاب بالفايروس وإجراء فحوصات لهم والنتيجة كانت سلبية وفق المكتب الصحفي لمحافظة اللاذقية.

أكبر تجمع وكثافة سكانية في الساحل

تضم جامعة تشرين أكثر من 20 ألف طالب من مختلف المحافظات (70 ألفاً عام 2012)، وقد بدأ دوامها الرسمي بعد فك الحجر مطلع حزيران  عند التاسعة والنصف صباحاً بهدف تخفيف الازدحام في وسائط النقل لأن عمل مؤسسات الدولة يبدأ الثامنة صباحاً، إلا أنّ هذا التدبير لم يخفّف من الازدحام كثيراً، بسبب ضخامة أعداد الطلاب في الجامعة.

يقول أحد الطلاب من كلية الهندسة، التقيناه بعد إنهاء اختبار الكشف عن الكورونا، أنه يداوم حتى في  يوم السبت (باعتباره يوم عطلة رسمية في سوريا) ولكن بعدد ساعات أقل، مضيفاً: "أضيف دوام يوم السبت، هو عطلة أساساً، لتعويض المحاضرات الفائتة على أن تكون مكثفة، مع تخفيض مدة المحاضرة إلى النصف، كما تم تقسيمنا إلى أكبر عدد ممكن من المجموعات في النظري والعملي"، ولكن المشكلة كما يقول الشاب: "إن هناك عدداً كبيراً من الطلاب مما يجعل من العملية شبه مستحيلة كل يوم".

ازدحام وإشاعات في كل اﻷماكن

بالفعل، فإن مشهد الازدحام الشديد لم يعد غير مألوف منذ أعاد الفريق الحكومي السوري المعني بالتصدي لفيروس كورونا، فتح أبواب الجامعات وبقية مؤسسات البلاد بالتدريج اعتباراً من أول حزيران الجاري بعد تمديد مدة الحجر الصحي في البلاد مرتين منذ 24 آذار الماضي.

تقول سارة: "شهدت مناطق كثيرة تجمعات كبيرة العدد دون تطبيق أي من قواعد التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامات، وتكفي وقفة واحدة أمام أي من المؤسسات الخدمية لنشاهد ازدحاماً غير مسبوق، خاصة على مكاتب الصرافة والمخابز التي ما تزال توزّع إنتاجها مباشرةً للناس، حتى معتمدي الخبز هناك ازدحام شديد على منافذهم".

(كاريكاتير للفنان هاني عباس)

إلا أن استعادة الحياة الطبيعية شبه الكاملة تتبعها تحذيرات الفريق الحكومي ووزارة الصحة، أنها خاضعة لتطورات الوضع الوبائي في البلاد ومراقبتها الحثيثة له، تقابلها تحذيرات مستمرة من منظمة الصحة العالمية بأنها قلقة من تزايد عدد اﻹصابات في إقليم شرق المتوسط بشكل متسارع في اﻷسابيع الثلاثة الماضية (حتى 14 حزيران الجاري)، وهو ما جعل الشارع الساحلي يتناقل إشاعات عن قرب إعادة فرض الحظر الكامل على البلاد.

لا استسلام أمام كورنا.. الصراع من أجل لقمة الخبز

07 أيار 2020
حكاية تروي تفاصيل كفاح ونضال منيرة يوسف من مدينة القامشلي مع الحياة وصعوباتها في بلد الحرب منذ أعوام. هذه الحرب التي دمرت الكثير، ومنها إرادات الناس قبل أن تحطم حيواتهم....

قلق منظمة الصحة العالمية المتكرر على مدى شهور، اعتبرته الدكتورة "ميساء" (47 عاماً) المحاضِرة في كلية الطب بجامعة تشرين في حديثها معنا "سياسةٌ لها حساباتها في قلب المنظمة، فعدد اﻹصابات اﻷخير في سوريا (458 إصابة 17/7/6/2020) يمتد إلى ستة أشهر تقريباً، وأكثر هؤلاء المصابين قادمين من خارج البلاد، وهذا يعني أنّ بؤر المرض المحليّة حتى اﻵن في حدها اﻵمن، وفي الساحل تحديداً هي في حدها اﻷدنى"، حيث سجلت اللاذقية حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق ثلاث إصابات اثنتين منها لسوريين قادمين من اﻹمارات (رجل وزوجته) تم فحصهما ضمن اﻹجراءات الروتينية للقادمين من خارج البلاد، ومع ظهور نتائج إيجابية للمسحات تم وضعهم في الحجر الصحي في مشفى الحفة ثم خرجتا بعد 14 يوماً، إصابة مؤكدة في العزل، فيما  سجّلت طرطوس  إصابة واحدة، وفق ما هو متداول في الشارع ومنصات التواصل واتصالاتنا، ودون ذكر أي توثيق لما ذهب إليه، أعلن المرصد السوري لحقوق اﻹنسان في 13 نيسان الماضي عن 26 حالة (مؤكّدة) في اللاذقية و16 في طرطوس وقد علّقت دمشق مؤخراً استقدام السوريين العالقين في الدول اﻷخرى حتى إشعار آخر.

التطعيم والإشاعات تقتل الفيروس!

في مطلع العام الحالي سرت إشاعات كثيرة في سوق التواصل الاجتماعي والواقعي أنّ الساحل قد تجاوز الذروة الوبائية دون أن يعرف الأطباء ذلك، حيث حدثت عدّة وفيات وسجلت كلها إما ذات رئة أو التهاب رئوي.

تشير الطبيبة "ليال" (35 عاماً من مشفى تشرين) في لقاء مع حكاية ما انحكت إلى أن الأمر "غير دقيق تماماً، فالتشابه في الأعراض حقيقي، فحتى دول متقدمة صحياً لم تميز هذا الفرق إلا مؤخراً، ولكن عند التدقيق، فإن فصل الشتاء يشهد سنوياً وفيات بهذا النوع من اﻷمراض، وخاصة في الشتاءات القاسية ولكبار السن تحديداً، وهذا يجعل من القول أننا تجاوزنا الذروة الوبائية غير صحيح".

أما قصة التطعيم، التي كما تقول الطبيبة ليال: "طرشت التواصل الاجتماعي، فيحتاج التأكد منها إلى إجراء بحوث تستخدم تقنيات لا نملك منها حتى الاسم، لذلك فإن ما جرى تداوله، رغم أنه يبدو صحيحاً بمقارنة أعداد الوفيات، إلا أن ذلك قد لا يعدو كونه مصادفة، أضف إلى ذلك اﻹشاعات اﻷخرى مثل اختفاء الفيروس في اﻷجواء الحارة وغيرها، وهو مما لم يثبت علمياً بعد. لكن المشكلة هي أن هذا الهراء انطلق من مؤسسات لها سمعتها الحسنة في الشارع السوري، والساحل خصوصاً، مثل إذاعة شام إف إم، دون التثبت من حقيقة اﻷمر، وهو ما جعله ينتشر بكثافة".

كانت هذه اﻹشاعات بغاية التخفيف من وقع الوباء على الناس دون شك، ولكن بطريقة مؤذية. تقول الطبيبة، "فالنتيجة هي انتشار كثير من اللامبالاة في الشارع وعدم احترام التوجيهات الصحية والسخرية من الوباء إلى حدّ كبير، واﻷهم، عدم الثقة بما تقوله الحكومة، خاصة في اﻷيام اﻷولى من انتشار الوباء، إذ وقع الناس بين نار اﻹنكار الحكومية والحقيقة بوجود احتمالات كبيرة للإصابة".

القطاع الصحي في حرب غير مرئية

غير بعيد عن مدخل جامعة تشرين يقبع مشفى تشرين الجامعي، وهو واحد من أضخم المشافي في الشرق اﻷوسط، بسعة سريرية تبلغ (852) سريراً وبعدد منافس يبلغ (35) منفسة، ويؤمّه يومياً آلاف البشر بحكم أن كثيراً من خدماته ما تزال مجانية (في المعالجة والدواء)، وهذا يعني أنه إلى جانب جامعة تشرين يعتبر أكبر تجمع سكاني في الساحل السوري.

يوجد في اللاذقية أربع مشاف تابعة لوزارة الصحة، وواحد لوزارة التعليم العالي، واثنين لوزارة الدفاع (نُقلت إدارة مشفى اﻷسد الجامعي إلى عهدتها منذ عامين)، بسعة أسرّة تبلغ تقريباً (2600) سريراً إجمالي ، وقد تم تخصيص مشفى الحفة لعزل مرضى كوفيد بسعة 200 سرير، أما طرطوس ففيها خمس مشاف تابعة للصحة وواحد للدفاع، بسعة أسرّة إجمالية تبلغ تقريباً (1410) سريراً، عدا المشافي الخاصة في كلا المحافظتين والبالغ عددها 33 مشفى بسعة أسرّة إجمالية تقارب 800 سرير. وبإضافة المراكز الصحية يكون اﻹجمالي التقريبي لعدد اﻷسرّة في مشافي الساحل قرابة 6000 سريراً عاماً (ليس للحجر الصحي فقط).

كورونا أم اللاجئون.. أيهما أخطر؟

18 آذار 2020
العزلة أمر صعب للغاية، فنحن كبشر نحتاج إلى بعضنا البعض أكثر مما كنا نتصور. وبناء على هذه الفكرة لا يمكننا فصل مشكلة الكورونا عن مشكلة اللاجئين العالقين اليوم على الحدود...

تم تجهيز قسم خاص في الطابق اﻷرضي لمشفى تشرين الجامعي لعزل مرضى كوفيد 19 في المشفى شهر آذار الماضي بسعة 20 سريراً مع منافسها قابلة للزيادة وفق تصريح مدير المشفى لإحدى الصحف المحلية، وحتى اﻵن فإن هذا المشفى يلعب دوراً رئيسياً في فحص واختبار مرضى كوفيد المشتبه بهم في المدينة أو الريف المجاور وهو المشفى الوحيد الذي يملك مخبراً مجهّزاً للقيام بفحوصات الكورونا. كما تم تخصيص قسم آخر في مشفى اللاذقية الوطني بسعة أقل (10 أسرّة)، يضاف إلى ذلك، كما تقول الممرضة "أمل" (42 عاماً من مشفى بانياس الوطني) أنه تم تخصيص قسمي الأمراض الصدرية في مشفيي الباسل بطرطوس وفي مشفى بانياس الوطني لعزل الحالات المصابة بفيروس كورونا بعدد أسرّة بحدود 60 سريراً".

جاهزية بأقل اللوجستيات واﻷطباء

خلافاً لبعض المناطق السورية اﻷخرى، فإن القطاع الصحي في الساحل ما زال يعمل بكامل مؤسساته (عدا مشفى جبلة القديم الذي تعرض لتفجير هدم مبناه) ولكن بطواقم طبية أقل مما كان عليه الحال منتصف العام 2011. يعود ذلك ﻷسباب كثيرة، كما يقول الطبيب "حكمت" (47 عاماً، مشفى بانياس الوطني) "أبرزها سحب عدد جيّدٍ من اﻷطباء إلى جبهات القتال، وهجرة بعضهم اﻷخر، إما لرفضهم القتال في صفوف الفرق المتحاربة في البلاد، أو لتحسين أوضاعهم المعيشية". وفي الحالات كلها، فإن أكثر من 70% من العاملين في القطاع الصحي (اﻷطباء بالدرجة اﻷولى) قد غادروا البلاد وفق منظمة الصحة العالمية. وقصة معاناة المشافى في الساحل من نقص الكوادر الطبية ظاهرة للعيان في أكثر من مشفى، ففي عام 2014 طلب مشفى تشرين التعاقد مع أكثر من مئة طبيب بمختلف الاختصاصات.

ويؤكد ما سبق أن نسبة الكوادر الصحية إلى عدد السكان في سوريا هي في حدها اﻷدنى عالمياً ففي تقييم Global Health Observatory فإن عدد الكوادر الصحية لكل ألف شخص في سوريا (2.5) مقارنةً بإيران (3.7) و (8.3) للصين و(12.4) إيطاليا، وترتفع هذه النسبة في الساحل السوري إلى حدود 3 لكل ألف تقديرياً. ومجمل ما سبق دفع منظمة الصحة العالمية (ومعها أوتشا) تقييم مستوى الخطر في سورية بأنه "مرتفع جداً".

ولمواجهة هذا التهديد الكبير، قدّمت    منظمة الصحة العالمية وروسيا والصين وسائل الدعم والمساعدة لوزارة الصحة السورية لرفد قدرتها وجاهزيتها على التصدي لهذا الوباء، عن طريق تأمين معدات الكشف والمراقبة، وتدريب الكوادر الصحية في عدة محافظات، ومنها اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى عقد ورشات العمل الهادفة لتعزيز الوعي، وفهم مخاطر هذا الوباء، مع المعدات اللازمة للكشف عن فيروس كورونا المستجد، مع حملات التدريب المخبري؛ إذ أصبح بالإمكان إجراء ما يصل إلى 500 فحص للكشف عن الفيروس يومياً وفقاً للطبيبة ليال من مشفى تشرين الجامعي.

سوريا وأسئلة كورونا

28 آذار 2020
نتأمل تداعيات هذا الزلزال الكبير الذي ضرب مركبنا الأرضي ككل، لتتوحد البشرية للمرة الأولى، ربما في تاريخها كله، حول عدو واحد. ومع ذلك، لن نعدم أن نجد من يسعى لاستغلال...

اﻷمر الثاني الذي حدث هو تناقص كميات اﻷدوية المنتجة محلياً أو المستوردة، وعدم القدرة على استقدام أجهزة طبية جديدة أو إصلاح العاطل عن العمل، ومنها عدد من أجهزة التصوير الطبقي المحوري، وفقدان أكثر من 400 صنف دوائي عدا عن ارتفاع أسعارها بشكل جنوني وسببه اﻷساسي   العقوبات اﻷميركية المفروضة على البلاد منذ سنوات، يتضح ذلك من توقف شركات الدواء السورية عن التصدير بعد ارتفاع سعر الصرف الرسمي ورفع سعر الدولار الخاص بتصدير اﻷدوية الذي كانت تقدمه الحكومة لشركات اﻷدوية لدعمها خارجياً وتجعلها تبيع الدواء بأسعار رخيصة في الداخل.

قياساً بكل ما سبق، فإن تصنيف النظام الصحي السوري هو في المرتبة الثانية من أصل خمس مراتب، تعبّر فيها المرتبة الخامسة عن النظام الأكثر جاهزية، وهو ما يدل على القدرة المحدودة إلى المتوسطة في الاستجابة والتأهب، وذلك وفقاً للتقرير السنوي للوائح الصحية الدولية International Health Regulations Annual Report 2019.

كيف تعامل القطاع الصحي مع كورونا؟

سمعةُ القطاع الصحي في الساحل مقبولة، وبنفس الوقت تمثل مقصد آلاف من الناس من كل المحافظات (بوجود مركز للعلاج الإشعاعي والكيميائي في مشفى تشرين)، الذين لا يمكنهم دفع أجور استشفاء في أي من البدائل المتاحة، حال غالبية السوريين. ولسنوات طويلة، فإن الاستشفاء المجاني، مع كل علّاته، كان ملجأً وحيداً زادت الحاجة إليه في ظل وجود آلاف اﻹصابات واﻹعاقات والتشوهات الناتجة عن الحرب طيلة سنواتها السابقة.

على هذا، يقول الطبيب العام "أمجد" (42 عاماً): "إن ما قام به القطاع الصحي، بأطبائه وممرضيه وطواقمه، في الأشهر التي سيطر فيها شبح الوباء على المنطقة، يرقى ودون أيّة مبالغة، إلى درجة المعجزة، وخاصةً قبل أن تصل مساعدات خارجية تساعدنا في عملنا وتسرّع من آليات الكشف عن المرض".

يضيف الطبيب: "قمنا بتجهيز أقسام خاصة للعزل بجهود اﻷطباء والكوادر التمريضية رغم أننا نعملُ في ظروف غير مناسبة أبداً، ليس لدينا مثلاً كمية كافية من السيتامول ومضادات الالتهابات والسيرومات، وهي علاجات عرضية، أما ساعات الأوكسجين اللازمة للمرضى في إصابات الكورونا فهي تكفي عدد محدود جداً، أما مادة "التي فلو " (تستخدم في حالات اﻷنفلونزا) فهي مقطوعة منذ سنوات، وليس لدينا منافِس تكفي لمن يدخلون في قصور تنفسي حاد".

ويشير الطبيب إلى أن التفكير بوجود إصابات كثيرة ترقى لمرتبة الوباء سوف يقود إلى "اعتماد أقسى الحلول في عملنا، أي طب الحروب، حيث سنختار اﻷشخاص المصابين اﻷصغر سناً للبقاء على قيد الحياة، وهذا سبب استعجال الحكومة فرض حظر التجوال وإيقاف الدوام والتجمعات كي لا يتكرر ما حدث في إيطاليا وإيران وغيرها، وحتى اليوم، في ظل الاستهتار الكبير الذي نشهده في الشارع والمجتمع، نحن لسنا في منجى من احتمال الانفجار في أية لحظة".

استنفرت مشافي الساحل كل إمكاناتها في محاولة لاستيعاب الوباء، وأجرت تعقيمات للمشافي والأجنحة الطبية وتمت مضاعفة ساعات المناوبة والدوام لهم، كما أخرجت ما لديها من معدات قديمة صالحة للاستعمال.

في حديث انتشر عبر التواصل الاجتماعي، أشار أحد اﻷطباء من غير ذكر اسمه إلى أن المشافي  تواجه نقصاً هائلاً في المواد الطبية والأدوية المصنفة على أنها أساسيه وفقاً لمنظمة صحة العالمية. يقول الطبيب: "إن قائمة المفقودات طويلة، وآخرها اﻵنسولين سريع التأثير، وكذلك الهبارين الضروري ﻷجهزة التحاليل أو المركبات اللازمة لمرضى العناية المشدده أو التحاليل الفيروسيه والواسمات الورميه"، واﻷغرب وفقاً للطبيب إياه غياب كفوف اللاتيكس التي تم استبدالها بكفوف نايلون غير آمنه يمكن أن يتعرض الطبيب بسببها لتماس مع المفرزات التي يمكن أن تنقل العدوى". وقد تم تسجيل إصابات في الطواقم الطبية في اللاذقية وطرطوس آخرها كان إصابة طبيب أسنان كما نقلت صفحة نقابته على منصة الفيسبوك.  كما أن هناك نقصاً في اللباس الوقائي للأطباء، وأحياناً تغيب الكمامات.

اكتشاف لقاح جديد!

وفي إعلان لافت نشرت مواقع إلكترونية نقلاً عن جريدة "تشرين" الحكومية (لم نجد الرابط الأصلي) تقريراً تضمّن تصريحات صحفية لـ "محمود شبار" رئيس نقابة صيادلة اللاذقية كشف من خلالها "إنجاز مستحضر طبي لعلاج "كورونا" عبر دمج مستحضرات طبية "إنتاج وطني" تتكون من "التامي فلو" و"التي فلو"، وأشار شبّار إلى أنّ "الدواء الوطني"، بات متوفراً وجرى تسليم وزارة الصحة دفعة منه وتعمل شركات الأدوية ذاتها على تصنيع دفعة ثانية منه بعد أنّ وصلت المواد الأولية اللازمة للتصنيع، مدعياً إمكانية تناوله بدون وصفة طبية.

وفي سؤال للطبيبة ميساء أفادتنا أن هذا الدواء يسمّى طبياً "الهيدرو كلوروكين" وهو نفسه المستخدم في الغرب حتى اﻵن دون أن يكون لقاحاً أو مستحضراً جديداً تماماً.

إجراءات الفحص تتم وفقاً لمعايير الصحة العالمية، تقول الطبيبة مي (45 عاماً من مشفى تشرين) :"مع توفر أجهزة الفحص، فإن الوقت المستغرق ﻹجراء التحاليل بعد الاشتباه باﻹصابة يستغرق خمس ساعات، وجميع التحاليل مجانية ولا يوجد دفع ﻷي مبلغ ضمن القطاع الحكومي. بعد ظهور النتيجة إيجابية، يصار إلى نقل المريض إلى الحجر الصحي لمتابعة مراقبته هناك، حتى اﻵن، وبحكم عدم وصولنا إلى المرحلة الوبائي، فإن الحجر يتم في المراكز الحكومية المخصصة، ويتم إجراء تتبع للأشخاص المخالطين للمشتبه بإصابته بحصر اﻷسماء ضمن مسافة مخالطة متر واحد لمدة ربع ساعة على اﻷقل في أي وقت قبل يومين من ظهور أعراض اﻹصابة"، ويتم ذلك عبر المشفى، ويتم بعد ذلك إجراء فحوصات لهؤلاء المخالطين.

كيف تعاملت السلطات مع كورونا؟

فرضت السلطات الحكومية حظر تجوال كامل منذ 25 آذار/مارس الماضي ثم حظر تجوال ليلي فقط، بالتزامن مع إغلاق جميع أنواع النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والنقل بين مراكز المناطق الريفية  والمدن، ثم بين المحافظات، وإيقاف عمل باصات النقل الداخلي (المواصلات العامة) وبولمانات السفر بين المحافظات  وغيرها، وهو ما أدّى إلى إيقاف عجلة النشاط الاقتصادي تماماً، وهي باﻷصل تسير متعثرةً نتيجة الظروف المحيطة بالبلاد. كما قامت الهيئات الصحية بعملها في التعقيم اليومي للشوارع، والمؤسسات والمراكز الخدمية وباصات النقل الداخلي حتى توقفها عن العمل  وغيرها.

في عزلة كورونا.. إعادة اكتشاف البيت (١٢)

18 نيسان 2020
مع فرض الحظر الصحي يتشارك ملايين الناس حول العالم محاولات إعادة اكتشاف البيت. يَفتحُ هذا الخللَ في الحياة اليومية، أسئلةً حول معنى (البيت) بُنيته ومركزتيه، ومعنى خسارته والحرمان منه. وطالما...

لم يكن اهتمام الحكومة بالساحل مختلفاً عن غيره من بقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، ولم تقدّم للساحل خدمات أو إجراءات خاصة حتى اﻵن  ، فسياسة الأمر واﻹجبار كانت الوحيدة المتاحة لمحاولة درء الوصول إلى الدرجة الوبائية، وهو ما استدعى استنفار كل الوحدات الشرطية واﻷمنية ووضعها في الشارع ومنع الحركة إلا لأصحاب "المهمّات" التي تسمح للشخص بالخروج في وقت حظر التجوّل وقد حُصر الحصول عليها من المحافظ حصرياً وبتوقيع قائد الشرطة أيضاً، بما فيها اﻹعلام والصحافة.

عقوبة خرق حظر التجول، وفق حديث للمحامي "أنور أحمد" (56 عاماً) حددها "المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2007 في المادة 13 من قانون مكافحة انتشار الأمراض السارية وتنص على "أنه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشد الواردة في القوانين والأنظمة النافذة يعتبر كل من قام عن قصد بإخفاء مصاب أو عرّض شخصاً للعدوى بمرض ساري أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طلب منه لمنع تفشي المرض الساري، أنه ارتكب جرماً ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من خمسين ألف ليرة إلى خمسمئة ألف ليرة سورية ويحكم للمتضرّر بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به في حال ادعائه بذلك".

"وصمة عار" تلاحق المصابين!

على الصعيد الاجتماعي، تحوّلت اﻹصابة بالوباء إلى وصمة اجتماعية كان عامل الخوف عنصراً رئيسياً فيها، فقد تعرّض من كانوا مشتبهاً بإصابتهم إلى حجر اجتماعي مضاف حتى بعد ثبوت عدم إصابتهم، كما جرى مع سيدة قادمة من لبنان بشكل شرعي. تقول السيدة منى (اسم مستعار، 42 عاماً)، وهي مهندسة مهجّرة من مدينة حلب مقيمة في الرمل الفلسطيني تحدثت إليها حكاية ما انحكت، أن سيارة اﻹسعاف التي نقلتها إلى الفحص في المشفى الوطني تعرّضت للضرب بالحجارة والبصق عليها. وتضيف السيدة إن أولادها أصبحوا مدار سخرية أولاد الحارة عبر شتمهم بشكل دائم "أولاد المكورنة"، وقد انتقلت السيدة إلى حي جديد على إثر ذلك.

تجاوب الناس، ممن علموا بوصول حالات من لبنان بشكل شرعي أو غير شرعي مع دعوات وزارة الصحة والداخلية للإبلاغ عنهم عبر الاتصال الهاتفي وعبر إعلانات تبث كل اليوم عبر التلفزة المحلية. في حالات عديدة مؤكدّة، تم توجيه دوريات شرطة برفقة سيارة إسعاف مجهزّة بالمعدات إلى مناطق متعددة من المدينة على إثر هذه التبليغات، منها في منطقة سقوبين التي عاد إليها عدد من العمال السوريين من لبنان بشكل غير شرعي (17 عاملاً خضعوا جميعاً للفحص وتركوا بعدها)، وقد تم في واحدة مؤكدة منها اعتقال شاب في 23 من عمره وإخضاعه للفحص الطبي ثم تحويله إلى القضاء بعد الحجر 14 يوماً في مركز الحفة لعدم عرض نفسه على الجهات الصحية لفحصه.

واسطة لتفادي "الكورونا"

على إثر هذا الحصر، ظهر سوق "صغيرٌ" لتأمين "المهمّات" باستخدام الواسطات من هنا وهناك. يقول مختار أحد اﻷحياء في منطقة الدعتور (اللاذقية)، فضّل عدم ذكر اسمه    ﻷسباب أمنية، أن هذه المهمات كانت تعطى "لمن هبّ ودب ودفعَ، دون حسبان أن صاحبها يمكن أن يكون سبباً في ابتلاء عشرات بالفايروس، خاصة أولئك الذين بقوا يخرجون من محافظاتهم إلى محافظات أخرى مثل دمشق".

وخرق حظر التجوّل هو اﻵخر سوقاً للفساد، إذ سجّلت اللاذقية رسمياً  33 حالة في حين سجلت شقيقتها طرطوس ست حالات فقط، ولكن الخروقات كانت على أرض الواقع أكثر بكثير، وقد شهدت حواجز مداخل المدن بعضاً من الازدحام أثناء فترات فرض حظر التجول، يقول "ثائر. إ" (32 عاماً، من ضاحية تشرين (اللاذقية) وهو يعمل سائق سوزوكي لنقل الخضار من سوق الهال إلى المدينة أنه دفع أكثر من مرة للحواجز المنتشرة على الطرقات للنفاد من الاعتقال "ألفين، أحياناً أكتر، حسب الدورية، المهم ما نروح ع السجن" يقولها ضاحكاً.

الكورونا والصراعات وحجر الناس مع همومها

في ظل التوتر الحاصل في الساحل بين أنصار الرئيس بشار اﻷسد وابن خاله رجل اﻷعمال رامي مخلوف، دون أن يظهر ذلك على السطح كثيراً، فإن هذين الطرفين كانا اﻷبرز في حركة الشارع فترة الحظر، وهو ما لم يشكّل مشكلةً أو صعوبات عملية ﻷي طرف آخر (الشرطة واﻷمن) في ظل وجود "المهمّات" كإطار مشرعن لحركتهم، خاصة في مناطق الريف حيث التواجد اﻷمني والشرطي قليل عموماً وغير جاد كثيراً في تطبيق الحظر.

لم تترك مسألة الصراع في العائلة الواحدة أثراً على الشارع بما يتعلق بجائحة كورونا، فالناس همهم كان تأمين لقمة عيشهم وأمن حياتهم، ورغم التفاعل الواضح على منصات التواصل، إلا أن الغالبية ذهبت إلى أحوالها بعيداً عن هذه الصراعات.

بالمقابل، شكّل تطبيق الحظر الكلي وحجر البشر في بيوتها ﻷكثر من شهرين صفعةً إجبارية لكثيرين في الساحل في ظل عدم تصديق وتشكيك كبيرين في قصة الوباء نفسها، ولا يتعلق اﻷمر فقط بتأخر السلطات السورية في إعلان وجود إصابات كورونا في البلاد رغم كون البلاد تعج باﻹيرانيين : أصحاب الرقم القياسي في عدد اﻹصابات على مستوى اﻹقليم، وعدم توقف حركة الطيران مع طهران حتى 9 آذار، بل للطريقة التي تم فيها التعامل مع المرض على أنه "سرّ قومي وأمني عال المستوى"، وهو ما كان سببه برأي الدكتور المهندس "إحسان عليا" المدرّس بكلية الهندسة في جامعة تشرين "الخوف من تحوّل اﻷمر إلى وباء يأتي على الناس في الشوارع، وبذلك تنهار البلاد بكاملها، وهي في وضع لا تحسد عليه أصلاً، إلا أن هذا التفكير أدّى نتيجة عكسية قادت إلى استهتار الناس وعدم تصديقهم كل ما تأتي به الحكومة".

على الجانب الثاني، فإن الحظر قذف بكثير من الناس في الساحل خارج أعمالهم اليومية، وأتى بالتالي على مدخراتهم القليلة أصلاً، قد ذهبت مهب الريح في ظل ارتفاع جنوني لأسعار المواد وغياب أي نوع من الرقابة أو الفواتير في محلات الطعام أو الخضار التي بقيت على قيد العمل.

يقول المهندس "علي حسين" (اسم مستعار/ 42 عاماً) إنّ "عدم قيام الدولة بالاهتمام بهؤلاء وتقديم تعويض مناسب لهم في فترة عطالتهم أدّى بالكثيرين إلى بيع ما تبقى من مصاغهم وصرف ما لديهم من مال، لقد كان الحظر صيغة للحكم عليهم بالموت، ولذلك فإن كثيرين بعد أن توقف الحظر الكلي عادوا فوراً إلى أعمالهم".

كان السؤال برأي المهندس: "لماذا لم توّفر الحكومة الشروط التي تجعل الحظر (واحتمال عودته قائم) قابلاً فعلاً للتطبيق وتضمن فعلاً تحقيق الهدف منه؟ أمس أرسل المصرف العقاري إلى زبائنه المتأخرين في سداد أقساط آذار ونيسان إنذارات بالحجز على ممتلكاتهم، كذلك دأبت الكهرباء على ملاحقة هؤلاء المتأخرين!"

أما توزيع وسائل النظافة، فتشير ملاحظات ميدانية إلى انتفاء توزيع أية مخصصات مجانية للأهالي، حتى أن بعض المدارس العامة قامت بشراء مخصصات للتعقيم على حسابها الخاص.

الترويج لثقافة العنف ضد النساء بالفكاهة

24 تموز 2020
كان من الملاحظ خلال فترة الحجر تزايد انتشار عدد من التعليقات "البوستات"، التي تحمل طابعاً تمييزياً ضد النساء، وتسخر منهن ومن صفاتهنّ وخصائصهن الجنسية والجسدية، ومن الأعمال المنزلية التي يقوم...

أما اجتماعياً، فإنّ التعامل مع الحجر اختلف بين الريف والمدينة من جانب، فبحكم اتساع الريف، فإن أياً من أفكار التباعد الاجتماعي لم يصدقها أحد. بالمقابل فإن الازدحام في البيوت أرخى أثره على العوائل وأشعل نار الخلافات الاقتصادية والاجتماعية، لا شك بغياب الوعي الموجّه لحالات الحصر المنزلي. تقول الصحفية "بشرى" (اسم مستعار28 عاماً، وتعمل مع جريدة محليّة): "إن التوتر كان سيد الموقف طيلة أيام الحجر، فهناك ثلاثة أطفال "متل الجن" لا يهدؤون ليل نهار، وعلينا أن ننتبه لهم ونؤمن لهم ما يسليّهم ويخفف عنهم الحبس الطوعي، من ألعاب وأفكار إبداعية وغيرها"، أما إحدى جاراتها فقد اعترفت بأنها قضت معظم الوقت على منصات التواصل الاجتماعي تاركةً أولادها يلعبون الشدّة كل النهار.

أسئلة العنف المنزلي بسبب الحجر كانت حاضرة لا شك، خاصة على القطاع العامل في المنزل، أي النساء المتزوجات واﻷرامل والمطلقات والعازبات كذلك. تقول السيدة حياة (اسم حقيقي،43 عاماً، موظفة، نذكّر هنا أن جميع الموظفين والموظفات كانوا غير مداومين في مؤسساتهم )، إن مشاكلها مع زوجها زادت بحكم جلوسه في البيت، في الحالات العادية يقضي جزءً من وقته في المقاهي، إلا أن تدخله في الشاردة والواردة أدّى إلى نشوء حرب مع العائلة ولكنه "لم يمد يده علي، ولو فعل، لكسرتها له  " تقول بكل وضوح.

في حالات أخرى، حدث تعنيف منزلي وتنمر ولكن حصر النسب والأضرار، خاصة على الأطفال، يحتاج إلى بحث ميداني ليس هنا مجاله.

واقع السجون والكورونا في الساحل

مع صدور عفو رئاسي في شهر آذار توسّع عن العفو السابق بشموله بعض قضايا اﻹرهاب. فإن احتمال التقليل من أعداد النزلاء في السجون كان محتملاً، حيث يوجد في الساحل سجنين رسميين تابعين للقضاء، بعدد نزلاء يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف نزيل وفق مصادرنا الخاصة.

الواقع الجديد لسجن البصة أفضل بما لا يقارن بسابقه في قلب مدينة اللاذقية، إذ تشير مصادرنا إلى أن لكل نزيل سرير دون وجود أعداد كبيرة في الغرفة الواحدة، خلافاً لما كان عليه الحال في السجن السابق حيث كان هناك أكثر من خمسين شخصاً في الغرفة الواحدة.

أوقف الفريق الحكومي زيارات السجون لمدة شهر منذ بدء جائحة الكورونا. وحسب علمنا، فإن أية وفيات لم تسجل في اللاذقية أو طرطوس داخل سجونها، أما بقية أماكن الاحتجاز غير الرسمية فيصعب الوصول إلى أي معلومة دقيقة    منها.

توزيع معقمات ومعونات بالقطّارة

في غياب تدخل حكومي فاعل لتأمين حاجات الناس، خاصة في اﻷرياف البعيدة، عمدت جمعيات أهلية وخيرية إلى توزيع مساعدات صحية وغذائية لبعض المحتاجين دون قدرتها على شمول كل المحتاجين، وهو ما أكدته لنا السيدة "فريال" (اسم مستعار) رئيسة مجلس إدارة إحدى الجمعيات اﻷهلية، مضيفةً: "تزامن الحجر مع ارتفاع الأسعار ومع توقف اﻷعمال، إضافة إلى انهيار الليرة السورية أمام الدولار، هذا جعل من الحاجة فوق ما نتخيل، وقدرتنا، كما غيرنا من الجمعيات، محدودة بحكم انقطاع أي تمويل خارجي أو وزاري، وهو ما جعلنا نفرغ مستودعاتنا من المواد التي نوزعها عادة مثل المنظفات والمعقمات، إلا أننا جميعاً، في القطاع الأهلي مع كل ما قدمناه، لم نقدّم شيئاً يذكر".

مع تطبيق سياسة عزل المحافظات وعزل المدن عن ريفها وتعطّل وسائل النقل، وجد أهل الريف أنفسهم في حصار حقيقي، يقول الصيدلاني "حيّان" (35 عاماً) صاحب صيدلية في ريف بانياس إن الكمامات التي بحوزته لم تباع، "لا أحد اقتنع بما يقال في اﻹعلام، يذكرون بعضهم بأيام أنفلونزا الدجاج والخنازير والسارس ويضحكون، أما التعقيم فقد عمل كثيرون على تنفيذه في بيوتهم فقط، أما على صعيد العلاقات الاجتماعية، فإن أهم ما حصل في هذه الفترة توقف التعازي بشكل إجباري، حتى الجنازات في كثير من الوفيات نفذها أهل المتوفى دون حضور كثير من الناس، وهو مؤشر جيّدٌ إلا أن هذا الامتناع عن المشاركة عائد إلى العقوبات وليس إلى القناعات".

من جانب ثانٍ، خضع الحصول على المعونات لشروط صعبة، مثل عدم قدرة رب اﻷسرة على العمل، أما عوائل "الشهداء" فإن الإعانات شملت من لديهم نسبة عجز فوق 40% فقط، وهو ما يحتاج إلى عمل موّسع لتوسيع شمول المعونات إلى الناس  من الوزارات المعنية، لم يحدث حتى اﻵن.

قطاعات متضررة بالجملة

كان هناك اقتراح على طاولة الحكومة الماضية ولم ينفّذ حتى اﻵن، يشمل تقديم منحة بقيمة 50 دولار وسطياً لجميع العمال المتضررين في مجالات النقل بأنواعه والبناء وتوابعها وقطاع السياحة والمطاعم والفنادق وعمال الحمولة والبسطات وعمال القطاع الخاص غير المنظم وكل الحرفيين الذين توقفت أعمالهم، سواء الحرف اليدوية أو الأعمال الحرفية المعرفة لدى اتحاد الحرفيين، وكذلك لبعض مؤسسات القطاع العام، ولم ينفذ كلا اﻷمرين حتى اﻵن.

لا يوجد قطاع لم يتضرر من الحجر، ربما باستثناء القطاع الزراعي الذي شهدت أسعار منتجاته تحليقاً، فوصل سعر كيلو البندورة في الساحل إلى ألف ليرة (نصف دولار) وحلّ الكرز من الفواكه في المركز الأول بسعر وصل إلى 2500 ليرة (دولار وربع)، أما القطاع الصناعي فقد شهد توقفاً كاملاً وهو باﻷصل يعاني من مشاكل كثيرة. بقية القطاعات اﻷخرى تعاني عناء مزدوجاً، من الكورونا والحجر السابق ومن شح في مواد الطاقة، وهو أمر يتوقع أن يزيد في اﻷشهر القادمة وصولاً إلى ما لا يمكن تقديره بوضوح اﻵن.

أسئلة الروسي واﻹيراني

الوجود اﻹيراني في الساحل السوري ضعيف قياساً بمناطق أخرى (دمشق ودير الزور)، وقد تم تفكيك غالبية الميليشيات المرتبطة بطهران منذ أكثر من عامين بضغط روسي كبير.   إن أعداد اﻹيرانيين في الساحل هي أقل من أي مكان آخر في سوريا، وقد يبدو هذا الكلام من باب الخيال لمن لا يدرك نوعية العلاقة التي تربط بين طهران ومناطق الساحل وصراع المرجعيات ورفض غالبية سكان الساحل البقجة اﻹيرانية منذ ظهورها في سوريا  في السبعينات وتفضيل الدب الروسي على آيات الله، وعلى سبيل المثال، فإن رحلات الطيران بين طهران ودمشق (متوقفة منذ 9/3/2020) أضعاف مثيلاتها مع اللاذقية التي كانت آخر رحلة وصلتها من طهران وفق موقع FlightRadar 24 منتصف نيسان الماضي   .

تفكيك الميليشيات التابعة لإيران في الساحل السوري: "الحرب التي تجعلنا نأكل"

16 تشرين الأول 2018
هناك عدد كبير من المسرحين من الميلشيات الإيرانية وقد ترك تسريحهم أثراً سلبياً على الحياة والاقتصاد. ولكن التمدد الروسي في المجتمع منع وجود آثار سلبية ضخمة كما كان متوقعاً، كما...

لا وجود لتأثير قرار إيراني في المؤسسات التابعة للدولة في الساحل. وبالمثل، فإن العسكر الروسي اﻷكثر حضوراً لم يقترب من الإجراءات الحكومية بشأن الكورونا، حيث لا يسمح للأفراد كما الضباط بالاحتكاك بالجمهور المحلي إلا في أوقات محددة (إجازات محدودة بالساعات)  وللضرورة العملانية، ولم تسجل أسواق اللاذقية مثلاً حضور الأفراد الروس منذ ما قبل الجائحة بوقت طويل.

يشير مصدر من قاعدة حميميم لنا رفض ذكر اسمه "إلى أن هناك خوفاً من عمليات انتقامية من قبل الموالين ضد الجيش الروسي  بسبب عدم قيام الجيش الروسي بالتصدي للطيران أو الصواريخ اﻹسرائيلية، وهناك كذلك، وهو اﻷهم ربما، وضع المرتزقة السوريين،   وهم من طرفي المعارضة والمولاة كل فريق منهم يدعم فريقا ليبياً".

بالمقابل، يخشى السكان من نقل العدوى من الجنود الروس عبر المتعاملين السوريين في المناطق العسكرية مثل قاعدة طرطوس، وهو أمرٌ ممكن، حيث تم نقل أحد العسكريين الروس منذ وقت قريب    إلى المشفى للاشتباه بإصابته الكورونا إلا أن نفياً صدر عن الحكومة السورية وتأكيداً أن نتائج فحصه أكّدت خلوه من الإصابة دون أن يكون هناك إمكانية لمعرفة الشخص أو طريقة ومكان فحصه، حيث يتمتع الجنود الروس بحصانة وفق الاتفاقية الموقعة بين البلدين.

نَفَسٌ يضيق وآمالٌ غير عريضة

فتحت السلطات الحكومية بقية النشاطات الاقتصادية والاجتماعية ما عدا قلة قليلة مغلقة حتى اﻵن (صالات اﻷعراس)، واستعاد الدوام الرسمي حضوره وعادت الحياة الطبيعية تقريباً إلى اﻷسواق، لكن هذا كله لم ينسي السوريون، ومنهم أهل الساحل، أن سريان قانون قيصر (قانون لحماية المدنيين السوريين) دفع البلاد نحو مجهول ظهرت بواكيره في الارتفاع غير المسبوق للدولار أمام الليرة، فوصل في اللاذقية إلى سقف 3500 ليرة قبل أسبوع ليعاود الانخفاض إلى حدود 2500 ليرة. اليوم أصبح راتب الموظف من الفئة اﻷولى (مهندسون وأطباء وغيرهم) قرابة 30 دولاراً في سوق يقيس كل تغيير على أساس اﻷخضر.

لم تؤثر الجائحة على بنية المؤسسات الحكومية أو على طريقة تعاطيها مع اﻷمور المرتبطة بعملها، فما زال الازدحام سيد الموقف، وما زال التباعد الاجتماعي شأناً شخصياً وليس نسقاً عامّاً يجب على الجميع اﻷخذ به، ولكن هذا كله لا يهم غالبية الناس في ظل تزاحم الصراعات واﻷخبار السيئة من حولهم، اقتصادياً بالدرجة اﻷولى، واجتماعياً بدرجات أقل، وحتى ما يتعلق بالصراعات التي تعنيهم بحكم الجغرافيا، مثل أخبار رجل اﻷعمال رامي مخلوف، فإنّ الخوف من القادم أكثر حضوراً من الخوف من الجائحة المنتظرة.

مقالات متعلقة

الكورونا في الساحل السوري

23 آذار 2020
ما هي حقيقة كورونا في سوريا؟ هل يخفي النظام الإصابات حقا؟ ولم؟ وحتى لو أراد إخفائها فهل يسطيع؟ وما حال المشافي السورية اليوم؟ هل هي مجهزة وقادرة على التعامل مع...
كورونا في شمال شرق سوريا .. "رجل هزيل في مواجهة عاصفة"

01 أيلول 2020
كيف تعاملت السلطات في مناطق شمال شرق سورية مع مسألة فيروس كورونا؟ أية إجراءات اتخذت؟ وكيف كان التزام المجتمع بالقيود المفروضة؟ وما أثر ذلك على الوضع الاقتصادي في المنطقة؟ وما...
كوفيد ١٩ يكشف واقع الحوكمة الحقيقية في سوريا

28 تشرين الأول 2020
بنظر السوريين في طول البلاد وعرضها، يبقى الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة العملة السورية المشكلة الأكبر والأهم، ليغلب الخوف من الفاقة والجوع القدرة على الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي والعزل لمواجهة كورونا...
"جميلات روج آفا"… في مواجهة كوفيد 19

16 أيار 2020
تجربة النساء في مجموعة "جميلات روج آفا" أثبتت قدرة المرأة على المبادرة والتكاتف وتقديم يد العون والتنظيم وقيادة مجتمع مليء بالتحديات؛ تجربة هي الأولى من نوعها في المنطقة. ورغم النواقص...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد