زين صالح: السرديات الفردية هي التي تشكل قصتنا السورية والكويرية الجمعية

"عن بيت الست طاهرة" وضعف الحضور الكويري في الأدب والمسرح


"بيت الست طاهرة" مسرحية سورية كويرية معاصرة تتناول قصة أخوين (حلمي، وضياء) يعملان في ورشةٍ لتصليح السيّارات، في حين تعمل والدتهما راقصةً في ملهى ليلي. تدور أحداث المسرحية في أحياء دمشق الفقيرة ما بعد الحرب، وتطرح التساؤلات التي يعانيها جيلٌ كاملٌ عن السُّلطة، والعائلة، والّلجوء، والهوية، والجنْدر. هنا حوار مع كاتب المسرحية، الفنان زين صالح، حول هذه المسرحية وما أثارته من تساؤلات، وعن الأسباب التي دفعته لكتابتها.

20 حزيران 2023

فادي صالح

باحث و محاضر سوري مختص في مجالات الجندر و الجنسانية و الأنثروبولوجيا، و ناشط في حقوق المثليين/ات و العابرين/ات جندريا.

(هذه المادة جزء من ملف حكاية ما انحكت "أصوات كويرية، بإداة وإشراف المحرّر الضيف، فادي صالح)

"بيت الست طاهرة" مسرحية سورية كويرية معاصرة تتناول قصة أخوين (حلمي، وضياء) يعملان في ورشةٍ لتصليح السيّارات، في حين تعمل والدتهما راقصةً في ملهى ليلي. تدور أحداث المسرحية في أحياء دمشق الفقيرة ما بعد الحرب، وتطرح التساؤلات التي يعانيها جيلٌ كاملٌ عن السُّلطة، والعائلة، والّلجوء، والهوية، والجنْدر. هنا حوار مع كاتب المسرحية، الفنان زين صالح، حول هذه المسرحية وما أثارته من تساؤلات، وعن الأسباب التي دفعته لكتابتها. وزين صالخ، كاتب مسرحي وفنان سوري/ فلسطيني وناشط ثقافي مقيم في برلين/ ألمانيا. حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الفنون والتعاون الدولي من أكاديمية الفنون، زيورخ/ سويسرا. يحمل بكالوريوس في الإعلام من جامعة دمشق، كما درس النقد والدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية/ سوريا.

يعمل في مجال المسرح والدارماتورجيا، وفنون الأداء، والترجمة، والتحرير، والإعلام. حصل على منحة "آفاق" للكتابات الإبداعية والنقدية وكتب مسرحيته الأولى بعنوان "بيت الست طاهرة" بين بيروت وبرلين، وصدرت عن دار ممدوح عدوان للنشر في عام 2020.

شارك في عدة مهرجانات للمسرح وفنون الأداء من بينها (أكتوبر دانس - بيرغن، النرويج 2018، مونولوغ فيستيفال في برلين 2029، مهرجان فنون الأداء في برلين 2022، مهرجان أوبن آوت الكويري في ترومسو -النرويج 2022).

أجرى الحوار: فادي صالح.

في  عام ٢٠٢٠ تمّ نشر مسرحيتك الأولى "بيت الست طاهرة"؛ كلمنا عن المسرحية بشكل عام، ما هي الحبكة والخلفية، وما الذي دفعك إلى كتابة المسرحية من الأساس؟

أرسم كل الكلام الذي رغبت أن أضع خطاً تحته

26 أيار 2023
"بما أنني من هواة الكتب رحتُ أضع خطاً تحت كلّ جملة في أيّ رواية أقرأها، مفادها أنّ الحبّ هو الحبّ بصرف النظر عن جنس الطرفين! كم مرةً طاردت عيناي ما...
دراما كويريّة سوريّة

19 آب 2022
في هذه المادة والرسومات، يعود بنا الفنان طارق السعدي بالزمن إلى الجيل الذهبي للدراما السوريّة، مسلطًا الضوء على بعض "الشخصيات الكويريّة" التي ظهرت في مسلسلات تابعناها وأحببناها، ولكن "يمكن انتست"....

فكرة  المسرحية بدأت على شكل اقتباس غير حرفي لمسرحية "الخادمات" أو "الخادمتان" لجان جينيه في عام 2017. "بيت الست طاهرة" مسرحية سورية كويرية معاصرة تتناول قصة أخوين (حلمي، وضياء) يعملان في ورشةٍ لتصليح السيّارات، في حين تعمل والدتهما راقصةً في ملهى ليلي. في كلّ يوم، عند خروجها اليوميّ إلى عملها، يتنكّر أحد الأخَوَيْن بثيابها ليقلّدها، ويمارس على الآخر التسلّط ذاته الذي تعاملهما به. تدور أحداث المسرحية في أحياء دمشق الفقيرة ما بعد الحرب، وتطرح التساؤلات التي يعانيها جيلٌ كاملٌ عن السُّلطة، والعائلة، والّلجوء، والهوية، والجنْدر.

هذا ملخص المسرحية. أما ما دفعني لكتابة المسرحية هو غياب شخصيات مثلية يتم تناولها كشخصيات رئيسية في المسرح السوري والعربي وحتى في الأدب الروائي. حضور هذه الشخصيات عادة ما يكون خجول ومختزل وقاصر يقدّم الشخصيات المثلية (وأتحدث عن الذكور هنا) كنمط وصورة جاهزة ومستقاة من منظور المجتمع عن المثليين بوصفهم رجال ناعمي الهيئة والاهتمامات، معدومي القرار، لا همّ لهم سوى الاهتمام بمظهرهم، وهواياتهم دائماً هي، إما الرسم أو العزف على آلة مرهفة. لا أجد أيّ مشكلة في كلّ ما وصفته مسبقاً، على العكس تماماً، إلا أنّ اختزال فئة كاملة من البشر في صورة واحدة هي تعميم سطحي وتناول غير جاد لهذه الفئة في الأدب والمسرح، حتى ولو كان الكاتب متعاطف مع هذه الفئة ويتناول هذه الشخصيات بشكل إيجابي.

باختصار أردت أن أكتب المسرحية لأقول أنّ التوجه الجنسي أو البحث عن الهوية الجندرية لا ينحصر في شكل ما أو في طبقة اجتماعية أو في وسط محدّد. رحلة البحث هذه هي رحلة إنسانية موجودة لدى الجميع باختلاف طرق التعبير عنها.

 

(2): الإلهام تبع المسرحية كان مسرحية جان جينيه؟ لماذا جان جينيه، ولما هذا النص بالتحديد؟ ما الذي يجعل منه عملاً يسهل إسقاط قصته وحبكته وشخصياته على السياق السوري، وعلى القضايا التي تعالجها في عملك؟

 في البداية، لما قرأت مسرحيات جان جينيه، أحسست بقرب ما من شكل الكتابة والشخصيات التي يختارها ليسلّط عليها الضوء، هي دائماً الشخصيات الأخرى التي لا يلتفت إليها أحد، المنبوذون/ات، المبعدون/ات، المهمشون/ات، والذين واللواتي ينظر إليهم/ن المجتمع على أنهم/ن وجود ناشز عمّا يجب أن يكون عليه الإنسان، وهذا الأمر عنى لي الكثير ككاتب كويري ناشئ يعيش في دمشق ويبحث عن هويته بكلّ ما تعنيه الكلمة. نجد في مسرحيات جان جينيه حضور كويري واضح، أيضاً تتم توريته من خلال الرمز دائماً. أعتقد أنّ هذه العوامل، شدْتني في البدء لقراءة أعماله والاطلاع على قصة حياته غير التقليدية، وشجعتني أكثر على الخروج من عباءة ما يمكن أن تتم مسرحته، وما لا يمكن الكتابة عنه. مسرحيتي في البدء كانت محاولة لتبئية مسرحية "الخادمتان" لجينيه لكنها فيما بعد دخلت طور مختلف تماماً، أبعدتني عن المسرحية الأصل، وأبقت فقط على تفصيل لعب الأدوار الذي تتضمنه المسرحية. الاقتباس الحقيقي كان في الاستفادة والإلهام للكتابة الجريئة غير الخجولة من تجربة جينيه.

"الخادمتان" مسرحية تتناول صراع طبقي، صراع وجودي، لكن بعيداً عن اختيار أي شخصيات ذات صفة اعتبارية. جان جينيه اختار الخادمات ليكنّ الشخصيات الرئيسة، الخادمتان اللتان تتحدثان بلغة بليغة وعبثية، تحمل الشخصيات خطاب من المفترض أنه لا يتناسب وأسلوب عملهما أو الطبقة التي تنتميان لها. هناك الكثير من عناصر العبث والرمزية المعمول بها في المسرحية، والتي لا شك أثارت اهتمامي وشدّتني كما ذكرت سابقاً، هناك مقولة للمستضعفين والمستضعفات لا يستمع إليها أحد يحاول جينيه أن يلبسها ثوب الخطاب الذي يؤخذ على هذه الشخصيات أنها لا تمتلكه. أعتبر نفسي شخصياً أنتمي لهؤلاء وهذا ما خلق قرب المسرحية مني بادئ ذي بدء.

ما دفعني لكتابة مسرحية "بيت الست طاهرة" هو غياب شخصيات مثلية يتم تناولها كشخصيات رئيسية في المسرح السوري والعربي وحتى في الأدب الروائي

اللعب بالجندر في المسرحية الأصل يحمل الكثير في طياته، التورية والاختباء، ثمّ الصراحة الفجة، ثمّ مونولجات قوية تناهض الطبقية، وتقدم نقداً لها لا يحتاج مانيفيستو وحركة ثورية. البعد الكويري في مسرحيات جينيه وفي "الخادمتان"، هو البعد الذي أردت إخراجه من الرمز إلى كلّ ما هو مباشر وفج. السياق الذي اخترته هو سياق عائلة سورية. السلطة والصراع في المسرحية الأصل يختلف كثيراً عن وجودها على مستوى العائلة، لكن بالنسبة لي هذا هو المستوى الأصغر والأكثر قدرة على التعبير.

اختيار المسرحية بالنسبة لي اعتمد على كلّ ما سبق، لكن النقطة المحورية هي الشخصية المهمّشة التي تجد نفسها تحت الضوء، ولا تمتلك الأدوات اللازمة واللغة المنمقة والمقنعة لتثبت للعوام أنها محقّة، أو أنها تستحق العيش، وهذا الحق الإنساني في الوجود يحمل الكثير من التأويلات في المنطقة التي آتي منها، في المجتمع السوري الذي ولدت ونشأت وكبرت فيه، والذي طلبت منه المصادقة في مرحلة ما، بدءاً من العائلة وأنت ماشي.

(الكاتب زين صالح: الفجاجة التي حاولت التحدّث عنها تكمن في اليومي، في المسكوت عنه، في التجاهل المتقصّد للمواجهة، في التفاصيل التي يطويها النهار وتنطحن تحت رحى الحياة المستحيلة في سوريا 2015).

الإسقاط اقتصر على لعبة الأدوار كما ذكرت سابقاً واستيراد علاقات القوة في المسرحية الأصل لكن بشكل غير مباشر. لا أحداث صاخبة تدور في المسرحية، هناك فقط الترقب أنّ شيئاً ما سيحصل قريباً، وعندما يحصل في النهاية لا يكون حدثاً مفاجئاً. الفجاجة التي حاولت التحدّث عنها تكمن في اليومي، في المسكوت عنه، في التجاهل المتقصّد للمواجهة، في التفاصيل التي يطويها النهار وتنطحن تحت رحى الحياة المستحيلة في سوريا 2015.

هناك العائلة والسلطة والجندر والجنسانية كموضوعات رئيسة في بيت الست طاهرة، ولو أنّ العائلة والسلطة هما مصطلحان قد يبدوان متلازمان في رأيي، وسط تراتبية أبوية ذكورية في المجتمع السوري، يظهر أثرها البالغ في أدق التفاصيل التي تقيّد الأفراد وتسيّر حيواتهم وفق محدّدات العيب والحرام والسمعة والعار، وهذا ما يسيّر بالمقابل قصة الشخصيات وسلوكياتها وطرق حياتها وجنسانيتها وهويتها الجندرية. حلمي، مثلا، يحاول أن يكون "ماتشو" بأي طريقة ممكنة مسحوقاً تحت صورة رجل البيت، و"ضياء" يتلفح بالحرير والماكياج ويرقص رقصاً شرقياً ويرفض كلّ شيء ويتعرّض للتحرش في ورشة السيارات التي يعمل بها. هناك الضغط ودخان الحرب واستحالة العيش الذي يواجهه كلّ منا بطريقته الخاصة، لكن القصص الشخصية ستبقى دوماً محقة، السرديات الفردية هي التي تشكل قصتنا السورية والكويرية الجمعية، وهذا ما أردت رسمه في المسرحية. اليومي هو سياسي بالضرورة وليس مفروضاً علينا أن نرتب القضايا كأولويات.

 

(3): حقيقة المسرح السوري الذي يعالج قضايا الجندر والجنسانية الكويرية شبه غائب عن المشهد الثقافي السوري، فأعتقد أنّ بعد مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات" لسعد الله ونوس في التسعينات، لم يكن هناك أي أعمال مسرحية تسلط الضوء على قضايا المثلية أو الجنسانية والسلطة بشكل عام. ما هي قراءتك لهذا الغياب لنصوص مسرحية تعالج هذه القضايا؟

هممممم

01 تموز 2022
"هممممم" سلسلة قصيرة من الرسوم المصورة لـ”قضوضة"ضمن ملف "الكويريّة والعبور الجندري في المشهد الثقافي السوري”. تأتي هذه المشاركة كدعوة من "قضوضة" لإعادة التأمل ببعض المفاهيم المؤثرة على المختلفين/ات وغير النمطيين/ات...

لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال إلا من جانب شخصي مرتبط بتجربتي الشخصية وحدود اطلاعي. أعتقد أنّ الرقابة في سوريا أولاً، وقبل كلّ شيء، تلعب الدور الأكبر، الرقابة التي تمارس سلطة سياسية وأخلاقية متذرعة بالحفاظ على الحياء العام وصون المجتمع من الموضوعات التي تعتبرها معيبة وخارجة عن العرف والعادة. المسرح لا يمكن أن يكون له صوت في بيئة مقنّنة ومقولبة ومكبوتة. المسرح السوري داخل سوريا قاصر منذ زمن ليس بقريب، المسرح السوري (اللهم باستثناء أولئك الذين يحاولون ويحاولن خارج إطار مديرية المسارح والموسيقا) من وجهة نظري، احترف الترميز، يكاد لا يوجد قطعة مسرحية واحدة مكتوبة أو ممثلة، إلا وتشتغل على رمز الرمز والإيحاء المبطن، والحوارات المبهمة، وهذا الأمر صعب للغاية لصنّاع المسرح الذين واللواتي اعتادوا أن يكون العمل المسرحي وكأنهم/ن يدوسون في حقل ألغام، من الممكن أن ينفجر فيهم لغم رقابي في أيّ لحظة، الأمر ذاته يُفقد المسرح أيّ أثر من الممكن أن يحمله للجمهور، يجعل المسرح نخبوياً ونصوصه عبارة عن أحجية مملة لا تحمل في طياتها أيّ قدرة على التعبير. فلا المحتوى حقيقي أو صادق أو قادر على نقاش أيّ قضية بشكل حرّ، ولا التجربة فيه تحمل أي متعة أو قيمة. ناهيك عن أنّ الرقابة السياسية والدينية تضاعفت بأضعاف بعد الحرب، وعليه فإنّ المحاولات الخجولة حتى لنقاش أيّ قضية أضحى شبه مستحيل.

بالحديث عن قضايا المثلية والجنسانية في النص المسرحي، إلى جانب الرقابة هناك أيضاً السلطة المجتمعية المرتبطة إلى حد بعيد بالدين، والتي تنبذ وتحقّر وتحرّم حتى أيّ ذِكر لهذه القضايا. وانتقادها دائماً يأتي من زاوية تحريمية. هناك أيضاً نقطة أخرى، كما ذكرت سابقاً، التناول السطحي للشخصيات المثلية من قبل كتاب لا ينتمون/لا ينتمين لمجتمع الميم-عين، هو تناول ولو كان إيجابي من حيث المنطلق، إلا أنه أحياناً يُثبّت صور نمطية معينة ويعزّز تناول المثليات والمثليين من منظور الآخرية، يضعهم/ن دائماً في خانة الآخر ويخلع عليهم صفات وسلوكيات لا يمكن تعميمها على فئة كاملة بحالها. هذا التناول في رأيي لا يزال يخلق عزلة لمجتمعنا الكويري عن المجتمع ككل، ويعزّز أننا كأفراد خارجين/خارجات عن المألوف ولا يسائل المألوف في حدّ ذاته. لذلك أرى أنّ حتى هذه المحاولات الخجولة من الكتّاب عليها أن تكون مدروسة ومبرّرة. بالمقابل هناك حاجة لدعم الكتاب الكويريين والكويريات للتمكّن من الكتابة عن قضاياهم/ن من منظورهم/ن الشخصي، وفي ضوء تجاربهم/ن وعن أشخاص وقصص وتجارب يعرفونها وهم الأقدر على اقتباسها والكتابة عنها.

(4): كيف غيّرت الثورة، والحرب، والنزوح، وتجربة المهجر من مسار المسرح السوري والإنتاج الأدبي المسرحي، خاصة فيما يتعلق بالمواضيع المحرّمة؟

 غيرّت الكثير وكسرت الكثير من القيود، خصوصاً في المهجر، وهذه حقيقة لا نستطيع تجاوزها. هناك إنتاج مسرحي وأدبي وفني وإعلامي مختلف تماماً يوّثق ويترجم ويعكس ويفكر بالكارثة التي حلّت ويعود إليها دوماً. هناك مساحة لتواجد هذا الإنتاج لكنه بعيد عن سوريا، غير قابل للوصول للناس في سوريا. كما أنه يواجه ما يواجهه في الأوساط الجديدة من تحديات عدّة، ويعاني، لا شكّ، من العنصرية والتصنيفات والتمييز أيضاً.

بالمحصلة، أجد شخصياً، أنّ المسرح السوري في المهجر يطرح محاولات جادة وحاضرة إلا أنه لا يزال يعاني، ولا يزال في طور البحث عن شكله وهويته، ولم يصل بعد إلى طور قادر أن يتعامل مع الوسط الجديد، وأن يمتلك قراره فيه.

حالياً، أرى أنّ المسرح العربي والسوري، المهاجر بالدرجة الأولى، أقدر قليلاً على إنتاج نصوص تتناول المثلية والجنسانية، لأنه لا يعاني من الشرط الرقابي والمجتمعي في البلد الأصل، وأكثر قدرة على الإضاءة على القصص والسرديات الشخصية للأفراد، لكن صنّاع المسرح وممثليه أيضاً يعانون ويعانين بالمقابل من زاوية عسيرة أخرى ومنظور آخري مشابه، بالعلاقة مع المسارح في أوروبا على سبيل المثال، التي تريد أن تقدم صنّاع المسرح السوريين والسوريات المهاجرين/ات حصراً على أنهم/ن ضحايا لاقوا ولاقين الخلاص والحرية بأسمى أشكالها في أوروبا، وتحصرهم/ن في هذا الدور، ولا يلاقي عملهم/ن الآخر أيّ قبول أو دعم ما لم يتناول القصص الشخصية لهم/ن. وهذا الأمر بالمقابل هو مأزق آخر يخاف الكتّاب/ات أن ينحصروا وينحصرن فيه.

 

(5): وكيف غيرت الحرب والهجرة منظورك الشخصي للقضايا التي تقوم بمعالجتها في المسرحية، خاصة موضوع المثلية والعبور الجندري، وعلاقتهما بالمكان، والثقافة، واللغة؟

 انطلاقاً من التجارب التي عايشتها وعشتها، أنا تغيّرت شخصياً، خرجت من سوريا في أوائل 2017، بدأت بكتابة المسرحية في بيروت، لبنان، وانتهيت من العمل على المسودة الأخيرة في ألمانيا.

بعد الحرب في سوريا، هناك الكثير من المفاهيم التي تغيّرت، هناك قيد انكسر عن الحناجر والأقلام، هناك كارثة حصلت هناك نزوح ولجوء وعبور. هناك شجاعة ما وأمل ما بزغ ثم انطفأ، ولن يعود شيء كما كان. هذا بالضبط ما شجعني شخصياً على كتابة المسرحية واقتباس "الخادمتان"، كيف نعتاد على الكارثة، كيف نبحث عن ذواتنا في هكذا واقع. كيف نجرؤ على السؤال والبحث ومراجعة الذات. هل لدينا الرفاهية تلك أصلاً؟ هل قصصنا الشخصية لها الأحقية في الوجود. كيف سيقف الابن الأكبر في وجه والدته وينفطر قلبه ويبكي ويقول لها بآلاف الطرق أنه مثلي؟ وكيف ستغطي هي عين الحقيقة بغربال؟ كيف لن يعرف "حلمي" ما يعرّفه الآخرون على أنه "خروج من الخزانة"؟ هناك حاجة ما للخروج من الظل، حاجة للمكاشفة والمواجهة التي أوقظتها الحرب والكارثة فينا جميعاً.

اليومي هو سياسي بالضرورة وليس مفروضاً علينا أن نرتب القضايا كأولويات.

هناك دوماً تصنيفات جاهزة تتعلّق بمجتمع الميم-عين، هذه التصنيفات تختلف من مكان لآخر بالضرورة. الصراعات ذاتها موجودة باختلاف ظروفها. فلما كنت أتعرّض للتنمر وأتوّجس من الكتابة باسمي الحقيقي في لبنان، أتعرّض في ألمانيا للعنصرية والتمييز والحصر في دور وصفة واحدة عليّ أن ألتزم بها حتى أجد قبولاً. القبول معناه دوماً أن تذوب في المحيط وأن تشبهه. هذا الأمر لا يختلف كثيراً بين سوريا ولبنان وألمانيا. شكل الصراع هو فقط الذي يتغيّر، لذلك فإنّ ثيمة الصراع الكويري للقبول في المسرحية لم تتغيّر، بل أصبحت فقط تعترف بالصورة الكبرى لهذا الصراع بوصفه غير محصور في مجتمع أو نظام واحد، بل هو صراع إنساني، وبالمحصلة هو صراع لرفض كلّ أشكال الأنظمة المعيارية الأبوية وإيجاد مساحة يحضر فيها الأفراد الكويريون والكويريات بالشكل الذي يريدون/يردن ولا يطلبون/ يطلبن فيها المصادقة من أحد.

بالعلاقة مع الثقافة واللغة، كتبت مسرحيتي باللغة العربية ولم أترجمها بعد، أشتغل على ذلك الآن. كما أدرس قابلية تقديم إخراج لها في برلين، ألمانيا. الأمر غير مؤكد بعد. لكن وكما قلت سابقاً، هناك الكثير من الدراسة والبحث الدراماتورجي الذي يتحتّم عليّ وعلى فريق العمل مراعاته قبيل تقديم المسرحية في ألمانيا، يتعلّق كل ذلك بهوية الجمهور الذي يحضر ودراسة تجربة التلقي والتأني وعدم الوقوع في فخ الآخرية والمظلومية والثوب الذي يراد لكلّ المسرحيين/ات الكوريين/ات السوريين/ات في ألمانيا أن يلبسوه/ يلبسنه.

 

(6): ما هي مشاريعك المستقبلية وتطلعاتك للمسرح السوري والعربي في ألمانيا والمهجر؟

 مشروعات كثيرة، هناك بالطبع جانب العمل الحر الذي لا نستطيع الاستغناء عنه لدفع إيجار البيت والفواتير، لأنّ الفنون ما بتطعمي خبز، كما تقول أمي.

أسطورة "زوزو": من "الجو" في أحياء دمشق إلى "عطيات" على المسرح السوري

16 كانون الأول 2022
في هذا النص، يأخذنا الكاتب إلى سبعينات وثمانينات سوريا ويحاول إعادة تركيب تاريخ لشخصية مثلية لانمطية التعبير الجندري كانت قد عرفت في أحياء دمشق وضرب فيها المثل: زوزو. من خلال...
شكرًا أم كامل!

ياز |
24 حزيران 2022
في جزءٍ من العالم تُشنّ اليوم، حرفيًا، حملات اعتقال على أيّ شيءٍ مطليٍّ بألوان قوس قزح، يحظر فيلم "رسوم متحركة" لوجود قبلةٍ فيه بين شخصيتين من نفس الجنس، وتُطلق حملاتٍ...

إلى جانب العمل على ترجمة مسرحية "بيت الست طاهرة"، ومتابعة البحث عن فرص لإخراج المسرحية وتقديمها على الخشبة، أعمل حالياً على مشروع كتابة مسرحية جديدة تتناول العائلة والتواصل ما بين الداخل والخارج، لا أعلم بعد كيف ستتطوّر المسرحية وإلى أين ستنتهي، لا أزال أتعرّف على الشخصيات! لكن أعتقد أنّ هذه الموضوعة لعنة ستظل تلاحقني دوماً هاها. كما أعمل حالياً بالتنسيق مع منظمة "تقاطعات"، وهي منظمة سورية ألمانية على مشروع جديد حول الأرشيف السوري الكويري.

من ناحية تطلعاتي، أنا متفائل بالعموم، وأحبّ أنّ أرى محاولات جديدة ومشروعات فنية ومسرحية سورية، أحاول دوماً أن أحضر ما يعمل عليه أبناء الجالية إن صح التعبير، ومستعد دائماً للتعاون والعمل على مشروعات مسرحية فنية سورية، إن كنت تقرأ/ين هذه المادة، وكان لديك مشروع ما، تواصل/ي معي ودعنا نعمل معاً!

عملت سابقاً في عدّة مشروعات ومنظمات ثقافية وفنية سورية في قطاع الثقافة والفنون في ألمانيا، وأعتقد أنّنا حالياً في أمس الحاجة لتشكيل مؤسسة /تكتل/ شبكة فنية ثقافية سورية تعمل في استراتيجياتها ومشروعاتها على مناصرة العاملين/ات بالمسرح والثقافة والفنون السورية في ألمانيا وضمان استقلالية قرارهم/ن وقدرتهم/ن على العمل المستدام وخلق مساحة آمنة لأصواتهم/ن. بمعنى آخر أعتقد أنّنا بحاجة لشكل تنظيمي ما من شأنه إحداث وحثّ التغيير على مستوى السياسات الثقافية، وعلى مستوى الممارسات الثقافية، حتى يستطيع السوريون/ السوريات امتلاك قرارهم/ن والتأثير في كيف يريدون/يردن تقديم المنتج الفني والثقافي السوري.

مقالات متعلقة

أحوال المسرح السوري اليوم

17 أيار 2021
في افتتاحيّة ملف "المسرح السوري" تكتب الدكتورة ماري إلياس، وهي معدّة هذا الملف، عن المسرح السوري، وتسرد في نظرة عامة واقع هذا المسرح وماضيه، وتحكي عن آليات الإنتاج وعن الكتابة...
المسرح داخل سورية بعد الثورة

05 أيلول 2019
إذا كانت القنوات الإعلامية تصف الحرب، بأنها مسرح كبير لعرض مشاهد الرعب القذرة التي حلت بالإنسان السوري، فإن المسرح السوري، مسرحاً داخل مسرح، تفاعل مع المسرحية الكبرى وقدم من خلال...
الممارسات المسرحيّة السوريّة خارج حدودها الوطنيّة

21 حزيران 2021
بين سؤال التاريخ وسؤال الفن، إلى أي مدى يمكننا الحديث اليوم عن مسرح سوري له خصائص تميزه كموضوع وآليات كتابة؟ خصائص تسمح بقراءته ونقده وتحليله دون الخوف من حساسية اللحظة...
صناعة المسرح: المشي على الحبل

14 حزيران 2021
يواجه صناع/ات المسرح السوريين/ات الآن، وبعد مضي ست سنوات على وصولهم إلى ألمانيا تحديّات صعبة متعلقة بجوهر العمل المسرحي، وربما يجد الكثير منهم  أنفسهم في موقف صعب، يقتضي إيجاد نقاط...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد