الشمال السوري... من لم يمت بالقصف مات بكورونا!

كارثة قادمة.. هل يمكن احتواؤها؟


كيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ هذه الأسئلة وغيرها، يحاول هذا التحقيق الإجابة عنها.

29 آب 2020

أحمد عبيد

كاتب وصحفي سوري مقيم في اسطنبول

(تم دعم هذا التحقيق من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants,، وبدعم من موقع ميدان)

"عملية تطبيق التوصيات للوقاية من الفيروس أمر شبه مستحيل في ظل انعدام أدنى مقومات الحياة الكريمة في المنطقة، فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟". هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، واصفا أحوال المخيمات في الشمال السوري بعد انتشار كورونا، حيث لم يفلح "العزل" الذي يعيشه قاطني الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بحمايتهم من انتشار فيروس كورونا فيما بينهم، رغم انقطاعهم عن معظم دول العالم منذ سنوات.

فما إن مرّت أشهر قليلة على إعلان الإصابة الأولى بفيروس كورونا، وبدأ بالاقتراب إلى حدود المنطقة شيئاً فشيئا، حتى أعلنت السلطات الصحية في محافظة إدلب، تسجيل الإصابة الأولى بالفيروس (9 تموز ٢٠٢٠)، فكيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ أسئلة يعالجها هذا التحقيق الذي أعدته حكاية ما انحكت من مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا.

كيف وصل الفيروس إلى إدلب؟

أعلنت الحكومة السورية المؤقتة، في التاسع من تموز 2020، تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمال غربي سوريا، وكانت قادمة من الأراضي التركية عبر معبر باب الهوى الحدودي، على عكس ما كان يتوّقعه الأهالي بوصول الفيروس إلى مناطقهم عبر المعابر التجارية مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في ريفي حلب وإدلب.

وأصدرت "وحدة تنسيق الدعم" العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، بياناً قالت فيه إن الإصابة الأولى في الشمال السوري، سُجلت لطبيب يعمل في مستشفى باب الهوى، كان قد دخل إلى الأراضي السورية في الخامس والعشرين من حزيران 2020.

وأشارت وحدة تنسيق الدعم في بيانها إلى أن الطبيب المصاب، والبالغ من العمر 39 عاماً، خضع للحجر الصحي في المشفى العامل فيه فور ظهور أعراض الإصابة بالفيروس عليه، مؤكدةً أنّ جميع الأطباء والمراجعين المخالطين للطبيب المصاب، أجري لهم اختبارات الكشف عن الإصابة، وأنها تتبع الحالة الصحية للأطباء المخالطين بانتظام.

وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة "مرام الشيخ" قال في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" آنذاك: "يؤسفنا اليوم أن نعلن عن تسجيل أول حالة إيجابية لفيروس كورونا، لأحد الكوادر الصحة العاملة في أحد مشافي إدلب"، مضيفاً: "تم إغلاق المشفى وإغلاق السكن الخاص بالمشفى وتتبع المخالطين، وأخذ مسحات منهم وحجرهم، والدعوة لاجتماع طارئ لخلية الأزمة لتفعيل خطة الطوارئ".

سرمين أولى المناطق المعزولة، والكوادر الطبية أوائل المصابين!

بلغت حصيلة المصابين بفيروس كورونا في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، لغاية الثالث عشر من آب/ أغسطس، خمس وستين إصابة، بينها اثنتي عشر حالة نشطة، واثنتي وخمسين حالة تماثلت للشفاء، وحالة وفاة واحدة، في حين بلغ عدد المسحات التي أجريت لقاطني المنطقة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعين مسحة، وفقاً لبيان مختبر الترصد الوبائي التابع لبرنامج شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في وحدة تنسيق الدعم.

وتوزعت الإصابات بفيروس كورونا في محافظتي حلب وإدلب حتى تاريخ العشرين من آب/ أغسطس، بحسب الخريطة التي نشرتها وحدة تنسيق الدعم، على مدن إعزاز والباب وعفرين وجرابلس بريف حلب الشمالي، ومدينتي إدلب وحارم وبلدة جبل سمعان بريف إدلب.

كورونا في الساحل السوري: انضب في بيتك يا حبيب!

04 آب 2020
ما حال كورونا في الساحل السوري؟ كم عدد الإصابات؟ ما هي جاهزية المشافي؟ هل يلتزم الناس بالحظر؟ ماذا عن الأوضاع الاقتصادية؟ وكيف تعاملت السلطات مع خطر كورونا؟ هل من مساعدات...

مدينة سرمين في ريف إدلب، سجّلت أولى المناطق التي تخضع للعزل الكامل منذ الإعلان عن الإصابة الأولى بفيروس كورونا في الشمال السوري، بعد إعلان مخبر الترصد الوبائي عن دخول سلالة خطيرة من الفيروس إلى المحافظة، في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، بعد اكتشاف إصابة في المدينة تعود لسيدة سورية دخلت سرمين قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة حلب، بطريقة غير شرعية.

مسؤول العلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، "أحمد الخضر" أوضح أن قرار عزل مدينة سرمين جاء بعد الكشف عن إصابة دخلت المدينة قادمة من مناطق سيطرة النظام في حلب، عبر مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.

وأضاف الخضر: "تأكّدت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ من مخالطة السيدة المصابة لأكثر من مئة شخص من سكان المدينة منذ وصولها، ما دفع الصحة لفرض الحجر الصحي الكامل عليها، ريثما يتم تعافي المصابين والتأكد من سلامة الآخرين".

في اليوم السادس لعزل المدينة الكامل، أعلن المجلس المحلي في سرمين، في الأول من آب/ أغسطس عن افتتاح معبرين للمدينة بهدف تخفيف الحجر الصحي عنها، الأول من الجهة الشمالية والثاني من الجهة الشرقية، محدداً ساعات عمل المعبرين بين التاسعة صباحاً والتاسعة مساءً.

رئيس المجلس المحلي في مدينة سرمين، علي طقش، قال إن قرار تخفيف الحجر تزامن مع سلسلة إجراءات اتخذها المجلس، كتثبيت نقطة للتعقيم، وأخرى لفحص حرارة المارّة، إضافة لمراقبة الأعراض التي تظهر على الأهالي، مؤكداً أن حركة الدخول والخروج ستبقى محظورة على كبار السن الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، بحسب ما نقله موقع تلفزيون سوريا.

وبيّن رئيس المجلس المحلي في منشور عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إن القرار جاء نتيجة التشاور بين المجلس ووزارة الصحة والمعنيين في سرمين، مستنداً إلى نتائج المسحات الأخيرة التي أكّدت سلامة المخالطين، مشيراً إلى أن فتح الطرقات وإلغاء الحظر الكامل يتوقف على مدى التزام السكان بقواعد السلامة وعدم ظهور حالات جديدة.

وعاد المجلس المحلي في الرابع من آب/ أغسطس، لنشر بيان عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أعلن فيه بدء رفع الحجر الصحي عن المدينة تدريجياً، بعد تعافي المصابين من الفيروس، وذلك عقب التشاور مع وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، مطالباً الأهالي بإبلاغ منظومة الإنذار المبكر أو المشفى حال ظهور أي من أعراض الإصابة على أحد منهم، لا سيما المخالطين.

حياتي مع "الكورونا"

28 آب 2020
"أن أصاب بالكورونا، وأن يزورني طبيب ذكر، ويعالجني، فوالله إنها لكارثة كبيرة، تضمحل أمامها الكوارث كلها، وقد كانت لتكون الكورونا أرأف بحالي بالتأكيد! ! وقد زارتني الطبيبة حقاً وفعلاً، وكانت...

بعد يومين على رفع العزل عن مدينة سرمين، تناقل ناشطون أنباء تُفيد بتسجيل إصابة جديدة لسيدة في بلدة أرمناز بريف إدلب الشمالي، في السابع من آب/ أغسطس، كانت قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري بدمشق.

ومن جهتها، أعلنت إدارة مشفى أرمناز عن إغلاق المشفى وفرض الحجر الصحي المؤقت على كادره الطبي، بعد مراجعة السيدة المصابة إلى المشفى، ومخالطة الكادر الطبي فيه، إضافة لحجر ستة من أفراد عائلتها.

وقال مدير مشفى أرمناز، الطبيب، أيمن العموري، إن العمل في المشفى توقف للحالات الباردة فقط، مؤكداً أن استقبال الحالات الإسعافية لا يزال مستمراً، إضافة لعزل الكادر المخالط لسيدة قادمة من دمشق، كانت تُعاني من أعراض ذات الرئة.

كيف استعدت السلطات الحاكمة في الشمال لمواجهة الفيروس؟

كغيرها من بلدان العالم التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي لفيروس كورونا، أطلقت الحكومة السورية المؤقتة، جملة من الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على سلامة قاطني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمالي غرب البلاد، مع اقتراب الفيروس من حدودها.

وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، مرام الشيخ، قال لـ "حكاية ما انحكت": "اتخذنا في وزارة الصحة، جملة من القرارات التي من شأنها الحرص على عدم وصول الفيروس إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا في الدرجة الأولى، وأخرى هدفها تحقيق التباعد الاجتماعي بين الأهالي، والحفاظ على سلامتهم قدر الإمكان".

وأضاف الشيخ: "القرار الأول صدر عن الحكومة المؤقتة بتاريخ السابع عشر من آذار/ مارس 2020، وقضى بإغلاق ثلاثة معابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، وهي معابر "الحمران وعون الدادات، وأبو الزندين"، وتبعه توجيهات بعدم التساهل مع أي عملية تهريب، سواء أكانت للأشخاص أو البضائع، ولا تزال المعابر مغلقة حتى اليوم".

وتابع وزير الصحة: "بما يخص المعابر الحدودية مع تركيا، فقد اتخذنا كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية لمنع انتقال الفيروس إلى الشمال السوري، تجسدت بالأساليب الوقائية المشددة، وذلك بالتنسيق مع إدارات المعابر الحدودية".

الكورونا في الساحل السوري

23 آذار 2020
ما هي حقيقة كورونا في سوريا؟ هل يخفي النظام الإصابات حقا؟ ولم؟ وحتى لو أراد إخفائها فهل يسطيع؟ وما حال المشافي السورية اليوم؟ هل هي مجهزة وقادرة على التعامل مع...

وبيّن الشيخ أن الحكومة السورية المؤقتة أصدرت قراراً آخراً بتاريخ السادس عشر من نيسان/ إبريل، وعمّمته على كافة الجهات الحكومية التابعة لها، نصّ على إيقاف حركة العبور للأشخاص والمركبات بين مدن وبلدات المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة لمنع تجوّل من هم دون عمر الثانية عشر، وفوق الخمسة وستين عاماً، مشيراً إلى أنّ القرار لم يهدف إلى عزل المناطق، إنما كانت الغاية منه تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي.

وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة أتبعت قراراتها بخطوات برزت في تشكيل خلية أطلقت عليها اسم "خلية الأزمة"، لتعمل بمهام شبيهة بتلك التي كُلف بها الفريق الحكومي المختص باتخاذ الإجراءات الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا في مناطق سيطرة النظام السوري، إلى جانب الحملات التوعوية التي قدمت من خلالها نصائح إرشادية يومية باللغتين العربية والإنجليزية، من خلال المقاطع المرئية والصور والإنفوغراف الدوري، بحسب قول وزير الصحة لنا.

وأشار الوزير إلى أن وزارته دعمت أربعة مشافي يحتوي كل منها على خمسة وعشرين سريراً، وثمانية مراكز حجر صحي، يبلغ عدد الأسرة الإجمالي فيهم ثلاثمائة وثلاثين سريراً، إضافة لتأمين سبعين جهاز تنفس اصطناعي موزعين على جميع المراكز.

(صور مركز الحجر الصحي في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي/ خاص حكاية ما انحكت)

وعن الالتزام بالقرارات الصادرة، قال الشيخ إن الشرطة المحلية في ريف حلب، أخذت على عاتقها متابعة تطبيق القرارات الصادرة عن الوزارة بالتعاون مع مديرية صحة حلب، في حين توّلت مديرية الصحة في إدلب التابعة للوزارة مسؤولية تطبيق القرارات.

استجابة ناقصة!

ولكن من جهة أخرى، إن نقيب الأطباء الأحرار في إدلب، الطبيب وليد التامر، رأى أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري ناقصة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية.

يقول نقيب الأطباء لـ "حكاية ما انحكت": "تُشكّل المعابر بين الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام السوري، الخطر الأكبر على المنطقة، وبات الالتزام بإغلاقها بشكل نهائي حاجة ملحة لمنع انتقال العدوى إلى مناطقنا، لا سيما أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام باتت موبوءة بحسب التقارير الصادرة عن الوسائل الإعلام المحلية والعالمية".

ويتابع التامر: "صدرت عدّة توصيات بهذا الخصوص، لتفادي كارثة طبية في حال انتقال العدوى، لا سيما وأنّ بعض المعلومات تتحدث عن عدم التزام سائقي الشاحنات بالإجراءات الطبية".

ومن جهته، رأى مدير فريق منسقو الاستجابة الطارئة في إدلب، المهندس محمد حلّاج، أن إجراءات الاستجابة للقرارات على مستوى المؤسسات كانت جيدة حيث علقت مديرية التربية الدوام بشكل كامل لفترة معينة، الأمر الذي التزمت به أيضاً مديرية الصحة التي أقامت خيماً للعزل، وأخرى للفحص والتقييم الأولي، فضلاً عن اتخاذ أعلى درجات الحيطة في المشافي بشكل كامل، فيما لم يظهر المجتمع تجاوباً كبيراً بسبب عدم تنبه الناس لخطورة الفيروس.

وأضاف حلّاج في حديثه لـ "حكاية ما انحكت": "افتتحت المنظمات الطبية مشاف خاصة، وخيم لعزل المصابين (أربعة مشافي خاصة، يحتوي كل منهم على أسرة يتراوح عددها بين عشرة إلى خمسة عشر سرير، ومخيمين للعزل يضم كل منهما قرابة الخمسين خيمة، كل منها تحوي سريرين)، ولكن القطاع الطبي يعاني من هشاشة كبيرة نتيجة استهداف المشافي بالقصف، وخروج عدد كبير منها عن الخدمة، وخسارة المناطق التي كانت تتواجد فيها مشاف تصلح لتقديم الخدمات الطبية، ما زاد مهمة مواجهة الفيروس صعوبة في المنطقة".

تجهيزات طبية

تحاول المنظومة الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا، مواجهة خطر تفشي فيروس كورونا، والاستجابة لاحتياجات قاطني المنطقة الطبية، وسط ظروف سيئة جداً نتجت عن الحملة العسكرية الأخيرة التي شنّها النظام السوري وحلفاؤه على ريف إدلب الجنوبي، وما نتج عنها من نزوح قرابة المليون ومائتي ألف شخصاً، وخروج أكثر من سبعين منشأة طبية عن الخدمة، منذ نيسان/ إبريل 2019 وحتى اليوم.

يقول منسق الصحة العامة في مديرية صحة إدلب، الطبيب عبد الحكيم رمضان: "تضم محافظة إدلب قرابة الأربعين مستشفى قيد العمل، لكنها جميعاً تحت معايير أسفير الإنسانية بكثير، وبعدد أسرة يقسم بنسبة سرير واحد لكل ألف وخمسمئة واثنين وتسعين مدنياً".

ويُضيف رمضان في حديثه لـ "حكاية ما انحكت": "خصّصت مديرية الصحة ستة مشافٍ للاستجابة للحالات الحرجة والخطيرة من المصابين بفيروس كورونا، منها أربعة جاهزة للعمل بشكل مباشر، واثنتين قيد التجهيز، تضم جميعها ستة وعشرين جهاز تنفس اصطناعي للبالغين، إضافة لأربعة مراكز حجر صحي بدأت باستقبال الحالات المتوسطة والخفيفة، وستة وعشرين مركزاً لم ننته من تجهيزهم بعد، ليكون العدد الكلي في إدلب، ثلاثين مركزاً، في حين افتتحت حكومة الإنقاذ مركزين للحجر الصحي أيضاً، أحدهما في منطقة باب الهوى، وآخر في مدينة جسر الشغور، بالقرب من الحدود السورية التركية".

(صور لمشفى ريف إدلب الجنوبي/ خاص حكاية ما انحكت)

ويتابع رمضان: "لدينا في إدلب مخبر واحد لإجراء الاختبارات الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالفيروس، تقوم المنشآت الطبية بالطلب من المخبر إرسال فريق طبي لأخذ عينات الحالات المشتبه بإصابتها، فيما تعمل منشآت أخرى على أخذ العينات وترسلها بدورها إلى المخبر لإجراء الاختبارات اللازمة".

وبحسب منسق الصحة في إدلب، فإن المديرية أقامت تدريبات نوعية لنحو ستمئة شخص من كوادرها الطبية، بين طبيب وممرض وآخرين من العاملين في المنشآت الطبية، على أن يكون هناك تدريبات إضافية في المرحلة القادمة.

ومن جهته، رأى نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، أنّ غياب التنسيق بين الكوادر الطبية في مناطق سيطرة المعارضة من جهة، والسلطات الطبية التركية من جهة أخرى، يشكل العائق الرئيسي في مواجهة الفيروس، مشيراً إلى أن أعداد الحالات المسموح بإدخالها إلى تركيا محدودة جداً، وتحتاج لموافقة السلطات التركية، لاسيما في ظل الإجراءات المشددة على الحدود التركية بعد انتشار الفيروس فيها، في الوقت الذي لا تعادل وحدات العناية المشددة في الشمال السوري بأكمله، عدد تلك الموجودة في مشفى واحد في تركيا.

كورونا أم اللاجئون.. أيهما أخطر؟

18 آذار 2020
العزلة أمر صعب للغاية، فنحن كبشر نحتاج إلى بعضنا البعض أكثر مما كنا نتصور. وبناء على هذه الفكرة لا يمكننا فصل مشكلة الكورونا عن مشكلة اللاجئين العالقين اليوم على الحدود...

وقال نقيب الأطباء لـ "حكاية ما انحكت": "لا يمكن تطبيق المعايير الطبية الوقائية التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار كورونا، نظراً للكم الهائل من القاطنين في المنطقة، خاصة بعد تدمير ما يعادل 60% من المنشآت الطبية خلال الهجوم العسكري الأخير، ما ينذر بكارثة طبية بسبب الأعداد المتوقعة للمصابين في حال انتقل الفيروس إلى هذه الرقعة"، مبينا استحالة تطبيق توصيات التباعد الاجتماعي، خاصة في المخيمات، "فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟"، مضيفا بنفس الوقت أنه: "يمكن تطبيق التوصيات لجهة الحد من التجمعات في المساجد، والأسواق، والبازارات، والمدارس، والجامعات، ويجب إصدار قوانين تلزم الناس بالالتزام بعدم التجمع".

وعن مسألة إعلان الأعداد الصحيحة للمصابين بفيروس كورونا يوّضح نقيب الأطباء: "لا مصلحة لأحد بإخفاء الإصابات، وأرى أن خدمات المنشآت الطبية في القطاع العام أفضل من المشافي الخاصة، والقطاع الطبي في مناطقنا أفضل بعشرة أضعاف من القطاع الطبي في مناطق سيطرة النظام السوري".

وختم التامر: "أدعو لتفعيل اللجنة الوطنية للكورونا، لتوحيد الداتا بين المنظمات بحيث يتم إنشاء المراكز بحسب التوزع الجغرافي والسكاني، بالإضافة إلى التنسيق من حيث التجهيز، وإصدار النتائج من قبل الجهة المخوّلة إصدارها تفادياً للفوضى".

ما رأي الشارع؟

سرور الشيخ نجيب، أحد أبناء مدينة إدلب، وهو طالب في معهد التمريض بجامعة إدلب (35 عاماً) رأى أن الجهود المبذولة من قبل مديرية صحة إدلب، والكوادر الطبية فيها كبيرة جداً بالنسبة للإمكانات المتوفرة، على الرغم من قلة المشافي المجهزة وأجهزة التنفس ومراكز الحجر الصحي في المحافظة.

وقال الشيخ نجيب لحكاية ما انحكت: "رغم قلة الإمكانات المتوفرة في مناطقنا، إلا أنّ الكوادر الطبية استطاعت إنشاء مراكز للحجر الصحي، وعملت على تجهيزها قدر المستطاع، ما يساعد في الحد من انتشار الفيروس، فضلاً عن إخضاع المصابين للعلاج، ولا يمكن للفرق تقديم أكثر مما تقوم به حالياً".

(صور تُظهر تجول الأهالي في سوق مدينة إدلب دون اتخاذ أية إجراءات وقائية/ خاص حكاية ما انحكت)

بينما قال مفيد عبيدو، وهو مصور في مؤسسة شام الخيرية (26 عاماً): "الثقة بالقطاع الطبي في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة ضئيل بعض الشيء، ولا يمكن تعميمه على المستشفيات ككل، فلدينا بعض المشافي جيدة نسبياً، واستطاعت كسب ثقة الأهالي، وقسم آخر اكتسب صفات السوء من الناحية الطبية والرعاية".

ويضيف عبيدو لحكاية ما انحكت: "هذه الحالة كانت قبل انتشار الفيروس، لكن جميعنا نعلم الإمكانات المحدودة في مشافي المنطقة بما يخص علاج المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم، فمن قبل انتشاره كانت تركيا هي وجهة الحالات الطبية المُعقدة، أما اليوم فإن الدخول إليها بات من أصعب الخطوات".

منظمات المجتمع المدني تُساند القطاع الطبي

تزامناً مع الإجراءات الطارئة التي اتخذتها مديريات الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة المعارضة في محافظتي إدلب وحلب، أطلقت منظمات المجتمع المدني العديد من الخطط التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على سلامة الأهالي من الإصابة بفيروس كورونا.

مدير منظومة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم "الخوذ البيضاء" رائد الصالح، يقول لحكاية ما انحكت إن عمل المنظومة ينحصر في سياق الوقاية والتوعية بالدرجة الأولى، بالإضافة للتنسيق مع الجهات الطبية لجهة إنشاء مراكز حجر صحي، وتجهيز منظومة إسعاف خاصة بالتعامل مع المصابين بالفايروس، أما الخطوات الطبية المباشرة لمواجهة الفايروس من مخابر تحليل، وتجهيز مشافٍ، فهي مسؤولية القطاع الطبي.

ويضيف الصالح: "أطلق الدفاع المدني السوري في الثامن عشر من مارس/آذار 2020، حملة تطهير للوقاية من الفايروس ضمن سلسلة إجراءات تهدف لحماية المدنيين من الفيروس، شملت المرافق العامة من مدارس، ومشافي، و مخيمات، ومراكز إيواء، ومنشآت عامة، وذلك عبر قيام فرق مدربة تابعة للمنظومة برش مادةbenlı  ، المعقمة".

كاريكاتير... كورونا في سورية

02 نيسان 2020
كيف عبر الفنانون ورسامو الكاريكاتير عن كورونا في سورية؟ في هذه المادة، رسوم وصور تعكس واقع حال سورية في مواجهة جائحة الكورونا.

ويتابع مدير الدفاع المدني: "تم تعقيم أكثر من سبعة آلاف مرفق حيوي، إضافة إلى ألف ومئتي واثني وستين مخيماً، ونحو ألف وخمسمئة مدرسة، وأكثر من ستمائة نقطة طبية ومشفى، ومئات المرافق الحيوية الأخرى، خلال الحملة التي استمرت ثمانية أيام، وذلك تزامناً مع إطلاق حملة توعية تضمنت تنفيذ وقفات تحت عنوان "خليك ببيتك" بهدف حث المدنيين على الالتزام قدر المستطاع بالمنازل، وعدم الخروج إلا في حالات الضرورة، إضافة لنشر ملصقات تعرّف بالفايروس، وأعراضه، وسبل الوقاية منه، ناهيك عن قيام متطوعين ومتطوعات من الخوذ البيضاء بتوعية المدنيين بشكل مباشر، في ألف وثمانمائة وتسع وسبعين نقطة بين مخيمات وأماكن أخرى".

المنظمات المدنية، والإنسانية، والطبية، العاملة في الشمال السوري، بينها الدفاع المدني السوري، أطلقت فريقاً حمل اسم "فريق الاستجابة الوطنية لجائحة الكوفيد -19 في سوريا" في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان 2020، لتنسيق الجهود ومتابعة الخطط، وضمان تسخير كل الموارد البشرية والمادية والمعرفية لمكافحة الفايروس في الشمال السوري، عبر التنسيق والتواصل مع كافة المعنيين في القطاع الصحي والقطاعات الأخرى، والتواصل مع الأمم المتحدة ومنظماتها، بحسب الصالح.

وبيّن الصالح أن مجموعة من المؤسسات والمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، أعلنت في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الفائت، إطلاق حملة إنسانية تحت اسم "نتكافل" بهدف دعم السوريين الذين أثقلت كاهلهم سنوات الحرب، وضاعفت معاناتهم خلال الفترة الحالية ظروف الوقاية من الفايروس في الداخل السوري وفي بلاد اللجوء المجاورة، والتي تهدف بشكل مباشر لتأمين دعم نقدي عاجل للعوائل، لاسيما نازحي المخيمات، والسّيدات المعيلات لعائلاتهن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السّن، إضافةً إلى المعلمين في الداخل السوري ودول الجوار في لبنان، والعراق ، والأردن، وتركيا، وتسليط الضوء على أهم الاحتياجات الإنسانية لأولئك الذين يعانون من تردي الأوضاع المعيشية.

ماذا لو تفشّى الفيروس؟

وعن الخطوات البديلة للعمل في حال تفشي الفايروس، يشير الصالح إلى أن التنسيق مع القطاع الطبي جارٍ على قدم وساق لجهة تجهيز سيارات إسعاف، ونقاط إخلاء للمصابين بالفايروس إلى مراكز الحجر الصحي، كما يعمل الدفاع المدني على عدة مشاريع لمواجهة كورونا منها: استخدام الطابعات الثلاثية لصناعة أجهزة التنفس الصناعية، وقد انتهى من صناعة أول جهاز، وهو الآن ضمن مرحلة الاختبارات.

ويضيف الصالح أن الدفاع المدني بصدد صناعة واقيات وجه بلاستيكية، بعد الانتهاء من الاختبارات النهائية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعية لمتابعة هذا المشروع. ويؤكد أن الدفاع المدني يمتلك القدرة على صناعة 2000 قطعة يومياً للكوادر الطبية وكوادر الخوذ البيضاء، فيما ما زالت تجارب أخرى قيد البحث: منها إنشاء أماكن تعقيم للأشخاص، وأخرى لصناعة خوذ قادرة على كشف حرارة الجسم وكشف المصابين عن بعد.

(صور مظاهرة في ساحة الساعة وسط مدينة إدلب بتاريخ 19/7/2020/ خاص حكاية ما انحكت)

من جهته، يقول مدير مكتب إدلب في الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية، محمد نجار، لحكاية ما انحكت إن الهيئة أنشأت فرقاً تطوعية ودربتها من أجل توعية الناس على مخاطر فايروس كورونا وكيفية الحد من انتشاره، بالتعاون مع مديرية الصحة في إدلب، كما قامت بتوزيع منشورات لتوعية الناس على مخاطر الفايروس، وزودت عدداً منهم بما أسمته "سلة كورونا"، وتحتوي هذه السلل على ما يقارب خمس وعشرين ألف كمامة، ومعقمات، وبعض الأدوية، كما حاولت الحد من حركة السكان عبر إنشاء فريق يهتم بتلبية حاجاتهم الخدماتية، ولكن هذه الخطة فشلت.

وعن سبب فشلها، يقول لحكاية ما انحكت: "فشلت بسبب عدم التزام الأهالي بشروط المبادرة والتخفيف من حركتهم، إضافة لرفضهم فكرة طلب تأمين المواد اللازمة من الفرق المخصصة والانتظار ريثما يتم تقديمها لهم، خاصة أن احتياجات الأهالي تقتصر على الآنية وليس التموينية، فتكون الطلبات قليلة جداً وطارئة نتيجة أوضاعهم الاقتصادية التي لا تمكنهم من الحصول على كميات كافية لعدة أيام من المواد الغذائية والمستلزمات المعيشية، إضافة لمشكلة الاتصالات التي يعاني منها قاطنو الشمال السوري الذين يعتمدون بشكل رئيسي على شبكة الانترنت الفضائي، وبالتالي فيتوجب عليهم الانتظار ريثما تصل الفرق المخصصة إلى أماكن تتيح لهم الحصول على شبكة الانترنت، كالمكاتب والمنازل".

في عزلة كورونا.. إعادة اكتشاف البيت (١٢)

18 نيسان 2020
مع فرض الحظر الصحي يتشارك ملايين الناس حول العالم محاولات إعادة اكتشاف البيت. يَفتحُ هذا الخللَ في الحياة اليومية، أسئلةً حول معنى (البيت) بُنيته ومركزتيه، ومعنى خسارته والحرمان منه. وطالما...

الناشطة الإنسانية "أحلام الرشيد" التي اختيرت بين أكثر مئة امرأة مؤثرة في العالم لعام 2017 من قبل بي بي سي، قالت لحكاية ما انحكت إن المراكز المخصّصة للمرأة والدعم النفسي اتخذت خطوات بديلة لعملها، حيث أصبحت منصة "كلاستر" تعتمد برامج معينة، تقدم أنشطة أون لاين للمراكز، سواء للمرأة أو للطفل، وتهتم بالدعم النفسي، ودعم الأسر، بالإضافة إلى أن معظم الدورات التدريبية أصبحت تقام أون لاين، وسيكون هناك برامج أكثر تطوراً بالنسبة إلى إدارة الحالة، واستقبال الحالات في الأزمة الراهنة.

وأوضحت الرشيد أن العمل المدني والفعاليات السياسية في الشمال السوري لا يزال سار، مشيرةً إلى أن تأثير الفيروس على الجوانب النفسية كان أكبر من تأثيره على الجوانب الصحية.

وأضافت الرشيد: "استطاع كورونا أن يرخي بظلاله على الحالة النفسية للمدنيين في تلك المناطق، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية والوضع الاجتماعي بشكل عام، حيث انحصر عمل المنظمات بجلسات التوعية بشكل فردي، كما توقف الكثير من الأنشطة التي كانت تقدمها المنظمات بشكل جماعي سواء داخل المراكز، أو خارجها، أو حتى ميدانياً كخطوات وقائية، لذلك خفضت بعض المنظمات عملها، فيما خفض البعض الآخر عدد الكوادر، واختار قسم منها مزاولة الأنشطة أون لاين، أو القيام بأنشطة توعوية بشكل فردي، كما شملت التدريبات، إن وجدت، أعداداً ضئيلة جداً لا تتجاوز عشرة أشخاص في القاعة الواحدة، بعد عمليات تعقيم، وارتداء ألبسة واقية".

ومن جهته، رأى أحد أعضاء إدارة فريق منسقو الاستجابة الطارئة في الشمال السوري، أن مؤسسات المجتمع المدني لم تلعب دوراً في مسألة محددات حركة المدنيين بين مناطق درع الفرات، وإدلب، والريف المحيط بها، موضحاً أن هذا القرار عائد للسلطات المحلية التي تتحكم بحركة المعابر ومواقيت فتحها، الأمر الذي أدى إلى ازدحام على المعابر، خاصة عندما تم فتحها لساعات محددة فقط، وقامت حينها المنظمات بفحص حراري للمسافرين، إلا أن أعدادهم الكبيرة حالت دون تمكن المنظمات من فحص الجميع.

ولفت مدير الفريق إلى أن اقتطاع المنظمات لجزء من ميزانياتها بهدف رش مواد معقمة في المخيمات خطوة خجولة لأنها لا تحمل فائدة كبيرة لقاطني المخيمات مثل تزويدهم بالكمامات، وأدوية التعقيم، مضيفاً: "هذه الخطوة تهدف إلى جلب الدعم، والعمل يجب أن يكون ممنهجاً ومنظماً، كزيادة الوعي والارشادات عبر مكبرات الصوت، وتوزيع مواد تنظيف وكمامات، وبناء مراحيض منفردة في المخيمات".

وكشف مدير الفريق عن عودة أعداد كبيرة من العائلات لمناطق سيطرة النظام، مرجعاً السبب إلى عدم توفر سكن ملائم في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وغلاء الإيجارات، وعدم توفر الخدمات، مؤكداً أن أعداد العائدين بلغت حوالي مئة وسبعين ألفاً من ريف حلب الغربي، وما يقارب مئة وخمسين ألفاً من قرى جبل الزاوية بريف إدلب. والفترة تشمل ما بين تفشي الفيروس في مناطق النظام، وإعلان الحالات الأولى في الشمال السوري.

هل أثّر انتشار الفيروس على الأوضاع الاقتصادية؟

تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي الذي خسر على المستويين المحلي والعالمي أكثر من 100 مليار دولار، انعكس سلباً على قاطني الشمال السوري، لا سيما تراجع وتيرة الحوالات المالية التي ترد إليهم من ذويهم المقيمين خارج سوريا بالدرجة الأولى، إضافة لارتفاع الأسعار الجنوني جراء تقييد حركة السفر والتجارة بعد إغلاق الحدود البرية، والبحرية، والجوية لمعظم البلدان، بحسب قول الباحث الاقتصادي "نيبال قلعة جي" لحكاية ما انحكت.

ويلخص قلعة جي تأثير كورونا على الشمال السوري بتوقف المساعدات التي تأتي للنازحين، بالإضافة إلى إغلاق المعابر مع كل من تركيا، والنظام، وقسد، وهذه العوامل تعني تراجع دخل المواطن في الشمال السوري بنسبة 20% على الأقل، الأمر الذي يمكن حلّه عبر زيادة ساعات العمل لتعويض نقص الإنتاجية والخسائر التي حلَت.

ويؤكد قلعة جي أن انهيار سعر صرف الليرة السورية غير مرتبط بإجراءات الحجر، إنما بقانون قيصر، وسياسات النظام القائمة على الفساد، بالإضافة إلى استنزاف موارد الدولة في الحرب على الشعب السوري، بالإضافة إلى إجراءات الحجر التي أدت إلى تراجع الطلب، وتراجع الاستثمار، بالإضافة إلى مداخيل الناس، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي على وشك التحول إلى كساد اقتصادي.

(في سوق مدينة إدلب دون اتخاذ أية إجراءات وقائية/ خاص حكاية ما انحكت)

من جهتها ترى أحلام الرشيد في حديثها لحكاية ما انحكت، إن وجود الفيروس انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلد، والوضع الاجتماعي للناس، وعلى مدى إنتاجية العمل وجودته، حيث اضطر الكثير من المدنيين للعمل من داخل المنازل نتيجة تعطيل المدارس، وتوتر العائلات، وهذا أدى إلى ضغوط نفسية كبيرة على العاملين وعلى المنظمات بشكل عام، فقد زادت الأعباء بشكل أكبر، وهذا ما صرح عنه الموظفون خلال استفتاء، أكدوا من خلاله أن العمل من المكتب أسهل بكثير من العمل في المنزل.

وهو ما يوافقها به قلعجي، إذ يقول: "ضرر كورونا لم يكن معتدلاً على الاقتصاد المحلي بل كبيراً، فالاقتصاد المحلي منهك أساساً، ولا يتمتع بمناعة لمواجهة أزمة كورونا، بعكس الاقتصاديات الأخرى التي يعتبر وضعها طبيعياً، وذلك يعود لتدهور الاقتصاد السوري بسياسات النظام الاقتصادية القائمة على الفساد، ناهيك عن قانون قيصر، بالإضافة إلى توجيه النظام لمعظم موارد الدولة نحو القطاع العسكري".

وبحسب قلعة جي، فإن تعامل السلطات مع تفشي كورونا يختلف بين دولة وأخرى، ولكن الشكل العام للتعامل تمثل بدعم للقطاعات الاقتصادية المتضررة، ودعم جزئي كدفع أجور العمال العاطلين عن العمل، كالنموذج التركي الذي تمثل بدعم العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى دفع جزء من رواتب العمال خلال فترة الأزمة.

بين ناري العقوبات والأزمة الاقتصادية

21 شباط 2020
يهدّد قانون قيصر بفرض عقوبات واسعة النطاق على قطاعات كاملة من الاقتصاد السوري وعلى الأشخاص الذين يساعدون الحكومة السورية وحلفاءها أو يشاركون في التحريض من أجلها. ولكن هذا قد ينعكس...

سمر جيرو وهي عاملة صحة نفسية في منظمة إنسانية (30 عاماً) المقيمة في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، رأت أن الفئة التي تضرّرت من انتشار فيروس كورونا في الشمال السوري قليلة جداً، وأن انتشاره لم يؤثر مطلقاً على أوضاع الأهالي الاقتصادية، مؤكدةً أن الأهالي استمروا في أعمالهم دون توقف، لاسيما العاملين في مجال الزراعة، كون محاصيلهم لا تزال تُباع في أسواق عفرين وريف حلب الشمالي بأسعار جيدة، مع التزام قسم منهم بالتدابير الوقائية.

فيما رأى قصي الحسين خلال حديثه لحكاية ما انحكت، وهو صاحب مكتب صرافة وتحويل الأموال في مدينة إدلب (27 عاماً) أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أثّر على حوالي 90% من السكان، باستثناء قلة قليلة منهم، من العاملين في المنظمات ويتقاضون رواتبهم بالدولار، أو الذين تأتيهم حوالات مالية من أقربائهم في الخليج والدول الأوروبية.

كيف أثر انتشار الفيروس على الحياة الاجتماعية؟

في الواقع العام للحياة الاجتماعية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، فإن المنطقة كافة تأثرت بفيروس كورونا، منذ بدأ بالتفشي في تركيا حتى تسجيل الإصابات الأولى في إدلب. إلا أنها، بالمقارنة مع أي منطقة أخرى داخل أو خارج سوريا، فإنها المنطقة الأقل تأثراً اجتماعياً، فالالتزام بالقواعد الاجتماعية المنصوص عليها كإجراءات وقائية هو أمر طوعي، ولا قانون يُلزم الأهالي بالتقيّد فيها.

إبراهيم السلوم وهو مدرس في مدرسة أطمة شمال إدلب (32 عاماً)، والمقيم في الشمال السوري بالقرب من الحدود السورية التركية، يقول لحكاية ما انحكت: "قبل ظهور الفيروس كنا نتمتع بعلاقات اجتماعية متماسكة، لا تخلو من الزيارات واللقاءات بشكل شبه يومي، إلا أنّ الوضع لم يبقى كذلك مع بدء تسجيل الإصابات في تركيا، كونها البلد الأقرب إلينا...، فانقطعت الزيارات بين معظم الأهالي بشكل كامل، ولاسيما بعد تسجيل الإصابة الأولى في إدلب".

فيما بيّن فيصل العكلة وهو مهندس مدني (58 عاماً) المقيم في بلدة الدانا بريف إدلب الشمالي، أن تخوف الأهالي من انتشار الفيروس أقل من تخوّف القاطنين في المحافظات السورية الأخرى، أو حتى في جميع أنحاء العالم، كون المنطقة معزولة عن العالم بشكل تلقائي بسبب الواقع العسكري الذي تعيشه، مضيفاً: "على الرغم من التخوف القليل من انتشار الفيروس، إلا أن قسم كبير من الأهالي يتخذون التدابير الاحترازية كالالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والتعقيم المستمر، إضافة لكون التربية أغلقت المدارس خلال الفترة السابقة لمنع انتشار كورونا بين الأطفال فيها أثناء الدوام الدراسي".

ومن جهته، رأى حازم وهو بائع مواد بناء (35 عاماً) المُقيم في مدينة سرمدا بريف إدلب، أن حياة الأهالي قبل انتشار الفيروس كما بعده، فلم يتغير أي شيء على صعيد الحياة الاجتماعية لقاطني الشمال السوري، والإجراءات الاحترازية لن تلتزم بها سوى نسبة قليلة جداً، باستثناء الكوادر الطبية التي التزمت بها بشكل جيد منذ بداية انتشار الفيروس في تركيا.

التطورات العسكرية تزيد خطر الانتشار

"لا شك أن لتواجد قوات النظام السوري، والقوات الروسية، في محيط المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، تأثيراً كبيراً لإفشال الجهود الطبية في التصدي لانتشار فيروس كورونا في الشمال السوري، وأنها شكلت عائقاً أمام الفصائل المقاتلة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع تفشي الفيروس"، يقول المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير "النقيب ناجي مصطفى" لحكاية ما انحكت.

ورأى مصطفى أنّ الخروقات المستمرة لاتفاقيات وقف إطلاق النار في الشمال السوري، أدّت إلى تهجير المدنيين من القرى في جبل الزاوية وبعض القرى الأخرى باتجاه المخيمات الحدودية مع تركيا، ما جعل التجمعات السكانية كبيرة جداً، ويصعب ضبطها وإلزام قاطنيها بالإجراءات الاحترازية.

وتابع المتحدث باسم الجبهة الوطنية: "تحاول فصائل المعارضة مواجهة الجائحة من خلال توعية المدنيين والمقاتلين لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، فضلاً عن إيجاد آليات لمنع التجمعات، خاصة في بعض المؤسسات والمنشآت التي يضطر المدنيين أن يتجمعوا فيها للحصول على حاجياتهم"، مضيفاً: "نشرت الفصائل بعض أجهزة الكشف على الحواجز التي قد يتم العبور من خلالها لكشف أي إصابة في حال وجدت بين المسافرين والوافدين إلى هذه المناطق".

مشروع قانون قيصر.. ما أبرز النقاط فيه؟

15 شباط 2020
أصبح مشروع قانون قيصر موضوع نقاش بين الأطراف السورية التقدمية والديمقراطية. وتمحورت النقاط الجدلية الأبرز فيه حول طبيعة العقوبات الثانوية ومداها: أي التدابير التي تستهدف جهود إعادة الإعمار في سوريا،...

وبيّن مصطفى أن التخوف من انتشار الوباء يتصاعد عند التجمع من أجل المظاهرات، ولكن إرادة الشعب السوري كانت أكبر من كل شيء في الحصول على الحرية، ورفض وجود القوات الروسية التي ارتكبت جرائم بالتعاون مع قوات النظام والميليشيات المساندة له، لا سيما بعد إعادة نشر الصور التي سربها الضابط السوري "قيصر" للشهداء تحت التعذيب.

وبحسب مصطفى، فإن السلطات التركية قدمت بعض المساعدات الطبية إلى عدد من المنظمات، وبعض المجالس المحلية والمشافي لمواجهة الفيروس، مشيراً إلى أنّ انتشار الفيروس سيكون تأثيره كارثياً على الشمال السوري نظراً للكثافة السكانية في المخيمات، بالتزامن مع شح المعدات الطبية كأجهزة التنفس وغيرها.

وحذّر الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، من أي عمل عسكري على إدلب لما سيحمل من تأثيرات سلبية تتمثل في موجات نزوح كبيرة، وتجمعات سكانية جديدة، مما يفاقم الكارثة الإنسانية في ظل شح المعدات الطبية والمساعدات الإنسانية المقدمة من المجتمع المدني، بحسب قوله.

سجون دون وقاية، وتحذيرات من كارثة محتملة!

مسؤولة ملف المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان "نور الخطيب" بيّنت لحكاية ما انحكت أن سجن إدلب المركزي يُعد من أكثر السجون ازدحاماً بأعداد السجناء والمحتجزين.

وأكَّدت الخطيب أن الشبكة لم تسجل اتخاذ أي تدابير وقائية للحد من انتشار الفيروس بين المحتجزين من قبل إدارة السجن، مضيفة: "على العكس تماماً، حصلنا على شهادات من معتقلين أُفرج عنهم مؤخراً، تبين من خلالها أن المهاجع لا تزال مكتظة بالموقوفين، إضافة لعدم الاهتمام الصحي وسوء التهوية في كامل السجن".

وأضافت مسؤولة ملف المعتقلين: "ظروف سجن إدلب المركزي تنطبق على جميع السجون ومراكز الاحتجاز في إدلب وريفها، ولا شك أن هذه الظروف تتجه نحو الأسوأ بحسب اختصاص كل منها، فالسجون المخصصة لاحتجاز المتهمين بقضايا أمنية أو معتقلي الرأي وانتقاد هيئة تحرير الشام، تكون عادة عبارة عن أقبية ومغاور منعزلة تماماً، وتحت سطح الأرض، ما يجعل الشروط الصحية فيها شبه معدومة، وبالتالي فذلك يزيد احتمالية تفشي الفيروس بين المحتجزين".

وختمت الخطيب: "لم تتخذ حكومة الإنقاذ المسؤولة عن السجون في إدلب، أي إجراء لإطلاق سراح المحتجزين كإجراء احترازي لنمع انتشار الفيروس، إنما كان إطلاق سراحهم مبني على عفو أصدرته حكومة الإنقاذ بمناسبة عيد الفطر لهذا العام، على خلاف ما روّج له".

عشرات الإصابات سُجلت في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة، عقب الإعلان عن تسجيل الإصابة الأولى، معظمها كانت ناجمة عن الاختلاط بمصابين قادمين من مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب، رغم التصريحات الرسمية بإغلاق المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة الطرفين، في الوقت الذي بيّن فيه نقيب الأطباء في إدلب أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر ضئيلة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية، وسط ندرة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع تفشي الفيروس من قبل قاطني المنطقة، لعبت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فيها الدور الأبرز في منع الأهالي من الالتزام بها، فضلاً عن غياب الدور التوعوي الكافي لتجنب الإصابة بالفيروس.

مقالات متعلقة

كورونا في الساحل السوري: انضب في بيتك يا حبيب!

04 آب 2020
ما حال كورونا في الساحل السوري؟ كم عدد الإصابات؟ ما هي جاهزية المشافي؟ هل يلتزم الناس بالحظر؟ ماذا عن الأوضاع الاقتصادية؟ وكيف تعاملت السلطات مع خطر كورونا؟ هل من مساعدات...
كورونا في شمال شرق سوريا .. "رجل هزيل في مواجهة عاصفة"

01 أيلول 2020
كيف تعاملت السلطات في مناطق شمال شرق سورية مع مسألة فيروس كورونا؟ أية إجراءات اتخذت؟ وكيف كان التزام المجتمع بالقيود المفروضة؟ وما أثر ذلك على الوضع الاقتصادي في المنطقة؟ وما...
سوريا وأسئلة كورونا

28 آذار 2020
نتأمل تداعيات هذا الزلزال الكبير الذي ضرب مركبنا الأرضي ككل، لتتوحد البشرية للمرة الأولى، ربما في تاريخها كله، حول عدو واحد. ومع ذلك، لن نعدم أن نجد من يسعى لاستغلال...
المرأة الخارقة في زمن كورونا

05 آب 2020
"ما بعرف كيف بدنا نتعقم ونتغسل ونحنا ما لقيانين مي نضيفة لنشربها". هذا جزء من حديث الجارات لبعضهن في شمال شرق سورية بمفرداتهن البسيطة، بما يسلط الضوء على المقاربات النسوية...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد